لا تفقد السيطرة

نشر في 01-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 01-09-2012 | 00:01
No Image Caption
«موضع السيطرة» مفهوم سيكولوجي اقترحه جوليان روتر في عام 1954. بحسب هذا المفهوم، تختلف تقديرات الناس ومعتقداتهم حول ما يحدد نجاحهم أو فشلهم في عمل معين أو حول ما يحدث لهم أو ما يؤثر على مجرى حياتهم عموماً، فمنهم من يعزو ما يحدث له إلى أسباب خارجية

لا تأثير له عليها ومنهم من يعزوه إلى اسباب داخلية نابعة من ذاته وقدراته وتصرفاته.

قد تؤدي الحاجة إلى السيطرة على مجريات الأمور في حياتنا إلى نتائج سلبية أحيانًا. يصعب على الأشخاص المسيطرين «فقدان السيطرة» لأن ذلك يسبب لهم شعورًا بالضياع، ما يفقدهم توازنهم الداخلي.

حين يعتقد الأشخاص أن أداءهم ومصيرهم متعلقان بما يقومون به وبقدراتهم الخاصة، فهذا يعني أن لديهم «موضع سيطرة داخليًا». أما الأشخاص المقتنعون بعكس ذلك (أي أن تحديد مصيرهم يعود إلى عوامل خارجية لا سيطرة لهم عليها)، فلديهم «موضع سيطرة خارجيًا». مثلاً، حين يفشل شخص لديه موضع سيطرة خارجيًا في أداء امتحان ما (الحصول على رخصة قيادة مثلاً)، فإنه يعزو فشله إلى أسباب خارجية (امتحان صعب، سوء حظ، مفتش قاسٍ)، بينما يعزو من يملك موضع سيطرة داخليًا فشله إلى أخطاء ارتكبها أو إلى قلة تركيزه...

«موضع السيطرة» بعد مهم من أبعاد الشخصية، ذلك لأنه ثابت نسبيًا ولا يتغير كثيرًا بمرور الزمن. هذا يجعل منه عاملاً مؤثرًا في علم نفس الصحة وعلم نفس العناية بالمرضى وعلم النفس التربوي. من جهة أخرى، قد يتأثر موضع السيطرة بعوامل أخرى، من بينها البعد العاطفي للوضع. هكذا، غالبًا ما يعتبر الفشل الشخصي عائدًا إلى عوامل خارجية بينما يعتبر النجاح عائدًا إلى قدرات الشخص الداخلية.

موضع السيطرة «الخارجي»

يميل الشخص «الخارجي» إلى عزو الأحداث التي يتعرض لها إلى مسببات خارجية. مثلاً، يعزو حصوله على علامة سيئة في الامتحانات إلى عامل خارجي «كسوء الحظ».

تختلف أشكال «مواضع السيطرة الخارجية» باختلاف طبيعة المسببات التي تعزى إليها الأحداث:

-1 الصدفة

-2 الحظ

-3 القدر

-4 قوة خارقة أخرى

يشعر الأشخاص الخارجيون بثقة أكبر من غيرهم حين يواجهون مشكلات خطيرة كمرض عضال مثلاً، لأنهم ينسبونها إلى مسبب خارجي خارج عن إرادتهم، ما يجعلهم أكثر قدرة على تقبل المشكلة التي يواجهونها. في المقابل، ينسب الشخص الداخلي المشكلة إلى مسببات داخلية لا وجود لها في الواقع، ما يؤدي إلى زيادة شعوره بالقلق والتوتر.

موضع السيطرة «الداخلي»

يعزو الشخص «الداخلي» الأحداث التي يتعرض لها إلى مسببات داخلية، لشعوره بارتباط وثيق بين تصرفاته وبين أدائه. مثلاً، من السهل عليه أن يعزو حصوله على علامة جيدة في الامتحانات إلى عوامل داخلية. هكذا، قد يعتبر مثلاً أن نجاحه عائد إلى الجهد الذي بذله في التحضير.

يميل الأشخاص الداخليون إلى إعادة النظر في تصرفاتهم في حال واجهتهم مشاكل علائقية (أو عملية). كذلك يشعرون برضا أكبر على المستوى الشخصي من الأشخاص الخارجيين ولديهم صورة أكثر إيجابية عن أنفسهم. لكن قد تضر بهم رغبتهم الكبيرة في السيطرة على الأوضاع التي يواجهونها، ما يجعلهم غير قادرين على تقبل تعرضهم للمرض مثلاً.

الحاجات العلائقية بحسب شولتز

تسعى نظرية «الاتجاه العلائقي الأساسي» لوليم شولتز إلى تحديد الأسباب التي تدفع الناس إلى بناء علاقات مع الآخرين. تميز النظرية بين ثلاث حاجات: الحاجة إلى الانتماء، الحاجة إلى السيطرة، والحاجة إلى العاطفة. الحاجات الثلاث المذكورة موجودة في داخل كل إنسان، لكن تختلف أهمية كل منها من شخص إلى آخر. يسمح هذا الاختلاف بتصنيف الناس بحسب الحاجة الأساسية التي يسعون إلى إرضائها من خلال بناء علاقات مع آخرين.

بسبب الحاجة إلى الانتماء نسعى إلى دخول مجموعة معينة أو إلى أن نكون أعضاء فاعلين ومعروفين في مجتمع ما، وجراء الحاجة إلى السيطرة نحاول التأثير على الأشخاص الذين نتواصل معهم وإحداث فرق في محيطنا وإسماع صوتنا للآخرين. تدفعنا الحاجة إلى العاطفة إلى إقامة علاقات مميزة ودافئة مع أشخاص معينين. إنها الحاجة إلى منح الحب وتلقيه وهي ما يحكم العلاقات بين الأزواج ومع الأولاد والأصدقاء المقربين.

من الواضح أيضًا أن تسلسلاً هرميًا يربط بين أنواع الحاجات الثلاث هذه. تتبلور أولاً الحاجة إلى الانتماء وهي أساسية وضرورية لحياة صحية. تأتي بعدها الحاجة إلى السيطرة، وتفترض تلبية الحاجة إلى الانتماء بشكل مقبول أولاً. وتأتي الحاجة إلى العاطفة في المرتبة الأخيرة، خصوصًا أنها تتطلب درجة كبيرة من النضج على مستوى الشخص أو العلاقة. ترتبط هذه الأنواع الثلاثة من الحاجات بدرجات التطور لدى الأطفال التي حددها فرويد (المرحلة الشفوية، المرحلة الشرجية، المرحلة القضيبية).

القلق ونوبات الهلع

يشعرمعظم من يعانون من نوبات هلع بخوف من الموت أو من «الجنون» أو من فقدان السيطرة على عواطفهم وسلوكهم. عادة ما تؤدي هذه المشاعر المؤلمة إلى نشوء حاجة ماسة إلى الهرب من عيون الناس ومن المكان الذي بدأ فيه الهجوم (رد الفعل تجاه الهجوم: «المواجهة أم الهرب») والاختباء في مكان منعزل بانتظار تلاشي الشعور بالضيق جزئيًا أو كليًا.

يقول المعالجون النفسيون ردًا على سؤال حول حاجة القلقين إلى السيطرة: «يشعر القلقون بحاجة كبيرة إلى السيطرة على حياتهم اليومية. يتمنون في قرارة أنفسهم أن يعيشوا في عالم مثالي خالٍ من المشاكل والصعاب: أولاد أصحاء ومطيعون، نقل عام مثالي، لا مشاكل اقتصادية أو سياسية... لهذا، تسبب لهم أي مشكلة صغيرة أزمة كبيرة. فإذا مرض أحد الأطفال كما يمرض كل الأطفال في سنه، يبالغ القلق في رد فعله ويتخيل سيناريوهات كارثية مع تفاصيلها كافة: ماذا لو كان السبب في هذا المرض أمرًا خطيرًا غير معلوم؟ من سيهتم بالطفل ويشرف على تلقيه العلاج؟ قد يكون من المفيد التحدث إلى الإنسان القلق بهدوء وسؤاله بشكل منتظم عما يخاف منه وعما يعتزم القيام به لو حدث ما يخيفه. من المتعارف عليه في العلاج النفسي أن تواجه الأفكار القلقة بثلاثة أسئلة: هل حدوث هذا مؤكد؟ ما هي درجة خطورته بالضبط؟ ما العمل لمواجهة المشكلة؟ الهدف من توجيه هذه الأسئلة هو أن نساعد الشخص القلق على تبيان ما إذا كانت ردود فعله تدخل في إطار القلق المفيد أو القلق المَرضي».

استعادة السيطرة!

قد ينتابنا جميعنا شعور بفقدان السيطرة على حياتنا في وقت من الأوقات. المهم أن نعي أن هذا مجرد إحساس وليس حقيقة واقعة! لتخطي المشكلة، علينا أن نفهم ما يلي:

- أنت تسيطر على حياتك سواء كنت مدركًا لذلك أم لا. «لدينا جميعًا الخيار». وسع دائرة التأثير الخاصة بك. لا ترسم حدودًا لنفسك. لا تشعر بالإحباط، بل استعد السيطرة على حياتك. أنت من يملك السلطة على حياته العملية أو الشخصية.

- سيحاول الآخرون دومًا وطوال حياتك فرض رأيهم عليك بشكل واع ٍ أو غير واعٍ. سينجحون في ذلك ما دمت تسمح لهم بذلك.

- انظر إلى الأمور من بعيد، قيِّم درجة سيطرتك الحالية عليها وحدد درجة السيطرة التي ترغب في تحقيقها في المستقبل. تخيل أنك تمكنت من تحقيق مستوى السيطرة الذي ترغب فيه. سيعتريك شعور ايجابي ورائع.

- لديك سيطرة أكبر على عناصر حياتك مما تظن. بإمكانك مثلاً أن تحسن صحتك عبر ممارسة الرياضة بانتظام وعبر التغذية الصحيحة وعبر الحصول على قسط كاف ٍ من النوم ليليًا.

- استعد السيطرة على حياتك العملية. هل تشعر بأنه يتم استغلالك؟ ربما عليك أن تضع سلطتك في العمل قيد الاختبار. خاطر وضاعف جهودك! افرض نفسك وافرض أفكارك. سيتصرف الآخرون معك بشكل مختلف وسيستمعون اليك باهتمام واصغاء. يحب الناس الأشخاص الأقوياء الذين لا يسمحون لأحد بفرض ارادته عليهم.

- لا تتهرب من المسؤولية. هل تخاف أن يسخر منك الآخرون؟ هل تخاف أن يعتبروك غير كفوء؟ تبوأ مركزًا قياديًا أو تولَّ مسؤولية مهمة في جمعية أو لجنة أو مجموعة ما. ستستفيد كثيرًا من خوض هذه التجربة. علينا أحيانًا أن نقفز في المجهول معصوبي العيون كي نتمكن من اختبار قدراتنا وتحسينها.

- استخدم قوة التفكير الايجابي. قل لنفسك يوميًا: «لدي القدرة والسلطة. أنا أكثر من قادر على تحقيق أهدافي. لدي تأثير على الآخرين وأنا خبير في ما أقوم وفي كل ما اعتزم القيام به».

- تعلم كيف «تترك الأمور تجري في مجاريها». بعض الأمور خارج نطاق سيطرتك بشكل كامل: الطقس، طريقة تفكير الآخرين، فوز فريقك الرياضي المفضل... تعلم أن تتقبل ذلك وتتعايش معه. لا تتولَّ مسؤوليات وسلطات كثيرة، لأن ذلك قد يزيد من توترك وقلقك.

- اعلم أنه لا يوجد نجاح حقيقي من دون حد أدنى من الخوف والرهبة. فلو كان كل شيء سهلاً، لما كان الاهتمام بتحقيق الإنجازات كبيرًا كما هي الحال، ولما كان النجاح مصدر فرح وسرور.

- في الختام، اعلم أن «ترك الأمور تجري في مجاريها» هو أفضل الحلول الممكنة حين نشعر أننا فقدنا السيطرة على كل شيء، إذ يؤدي ذلك إلى تبلور الحلول بشكل تلقائي ومن حيث لا ندري.

back to top