صدر حديثاً ضمن سلسلة «كتاب تراث» مجاناً مع مجلة «تراث» كتاب «تأريخ القدامى للشعر إلى نهاية القرن الرابع، مدونة المرزباني أنموذجاً» للشاعر والباحث السعودي محمد حبيبي. يلقي المؤلف الضوء على نتاج المرزباني وتأريخه للشعر والشعراء.

Ad

يوضح المؤلف  السعودي محمد حبيبي في كتابه «تأريخ القدامى للشعر إلى نهاية القرن الرابع، مدونة المرزباني أنموذجاً» أن الميزة الإجمالية التي يمكن استخلاصها من تتبع عناية المرزباني بالشعر والشعراء فيما يقارب 20 مصنفاً هي أن التأويل الشمولي لمؤلفاته يفضي إلى قيمة إجمالية تظهر أن عمله كان تراكمياً منظماً، وأن غاية التأريخ للشعر لديه لم تنجم عن عمل ثانوي حدث دون قصدية وتخطيط. ما يعطي مشروعه قيمته اللافتة، باعتباره أهم مشروع هدف إلى التأريخ للشعر بطريقة منظمة في تراثنا الأدبي إلى نهاية القرن الرابع هجري.

ويشير المؤلف  إلى تركيز أنموذج هذا البحث في أعمال المرزباني (ت384هـ)، إذ تعد جهوده من أظهر الجهود المؤلفة في الشعر والشعراء، في وضوح الغاية من التأريخ للشعر لديه في مجمل مؤلفاته. حيث تميزت مدونته التأليفية بسمات عدة ميزتها عن جهود غيره. وهو ما يميزه ويغيب في الوقت نفسه عند أقرب منافسيه ومعاصريه أبي الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني. فعلى صعيد ما وصل إلينا من كتب المرزباني المتداولة المحققة المطبوعة، نجد المعني منها بالتأريخ الموسوعي للشعراء: «معجم الشعراء» و{أشعار النساء». ونجد منها عدداً من المؤلفات الأخرى التي تؤرخ للشعر بالتأريخ لتلقيه: «الموشح»، و{المقتبس في أخبار العلماء». إلى جانب ظهور بعض المؤلفات المفردة في سير بعض الشعراء ككتابي «أخبار السيد الحميري» و{أخبار عبد الصمد بن المعذل».

يلفت محمد حبيبي إلى أن ثمة مؤلفات عدة للمرزباني مندثرة ولم تصل إلينا مباشرة، وإنما أشار إليها بنفسه في ثنايا كتاباته حيث نجد إشاراته إلى كتاب «المستنير في أخبار الشعراء المحدثين المشهورين»، وكتاب «المفيد في أخبار الشعراء المقلين والمغمورين وذكر كناهم وألقابهم ودياناتهم ومن ترك الشعر منهم ومن أفرغ شعره في غرض واحد»، وكتاب «الشعر ومحاسنه وعيوبه وسرقات معانيه وآداب منشديه وقائليه». على صعيد ما لم يذكره وذكره مؤلفو التراجم عن مصنفاته الأخرى في الشعر والشعراء، نجد إشاراتهم إلى كتاب «الموثق في أخبار الشعراء الجاهليين والإسلاميين المشهورين»، وكتاب «الرياض في أخبار المتيمين من الشعراء»، و{أشعار الخلفاء»، و{أشعار الجن المتمثل بشعرهم»، وغيرها من مؤلفات.

وعلى رغم هذه العناية الكبيرة بالتأريخ للشعر العربي في القرن الرابع من المرزباني من خلال ثبوت ما أنجزه من مؤلفات موسوعية، إلا أن مشروعه في التأريخ للشعر العربي ظل مغموراً ولم ينل حقه من الدرس، بسبب ضياع معظم مؤلفاته وعدم وصولها إلينا، ومن ثم اقترن جهده واسمه فحسب بكتابيه الشهيرين (معجم الشعراء، والموشح في مآخذ العلماء على الشعراء). لهذه الأسباب تأتي أهمية دراسة التأريخ للشعر عند القدامى إلى نهاية القرن الرابع الهجري.

خصوصية

ويلفت محمد حبيبي إلى معالم عدة من الخصوصية تميز بها تأريخ المرزباني للشعر والشعراء. أولها، مفهوم النظر إلى مادة التأريخ الشعري: فإذا استثنينا ورود بعض الشعراء غير المشهورين ممن تناولهم وقدم بعضهم أبو الفرج الأصفهاني، حيث كان مضطراً إلى ذلك. فإن النظرة السائدة لدى المعنيين بالتأليف عن الشعر والشعراء كانت تسلط الضوء على دائرة المشهور، والمعروف، سواء في اقتصار التراجم على الشعراء المعروفين أنفسهم دون غيرهم، أو في التركيز على الجوانب والشؤون التي درجت العادة على الإخبار بها عن أولئك الشعراء. وقد ِأضاف المرزباني بعداً لم يحظ لدى سابقيه بالرعاية المخصوصة لديه. فوسع أفق النظرة السابقة، حينما جعل من غير الشعراء المشهورين جانباً أساسياً في التاريخ الشعري، مصنفاً في ذلك كتاباً مستقلاً هو «المفيد»، الذي فصَّل فيه أخبار المقلين من الشعراء، والمغمورين، والمجهولين، وتاركي الشعر وغيرهم. وسعى في جانب آخر من الكتاب نفسه إلى تعريف الشعراء جميعاً من منظار وظف فيه المعلومة المعروفة سلفاً، والإطار التأليفي السابق لأجل تقديم الشعراء في سياقات جديدة في تناولها. فتناول الشعراء من خلال جوامع عدة، من بينها: جامع الشعراء الذين غلبت الكنى والألقاب على أسمائهم، أو من شُهر بكنية أبيه، أو عُرف بأمه، أو نسب إلى جده، أو عزي إلى مواليه، وما جانس هذه الأحوال. ومنها جامع نعوت الشعراء بحسب أبدانهم وصورهم، كالسودان، والعور، والعمي، والعشو، والبرصان وسائر ما يؤثر في الجسد من الرأس إلى القدمين. وجامع الديانة والمذهب، كاليهود، والنصارى، والخوارج، والشيعة وغيرهم.

شعر المرأة

كذلك اعتنى المرزباني بشعر المرأة العربية على اعتبار أنه قسم قائم بذاته في التاريخ الشعري، بموازاة شعر الرجال، فوضع كتابه أشعار النساء. ومن أوجه توسعه أيضاً، عنايته بأشعار الخلفاء في كتاب خاص بهم، وعنايته بأشعار العلماء في كتاب المقتبس المعني بأخبار العلماء، وكذا الأشعار المنسوبة إلى الجن. بهذه الجوانب يكون قد وسع منظور الاهتمام المقتصر على الشعراء المشهورين المعروفين ليشمل بذلك الجوانب كافة التي أمكنه النظر بها إلى الشعراء بمختلف طوائفهم وأجناسهم، وما يمكن أن يكون من أقسامهم.

أما ثاني المعالم التي ميزت تأريخ المرزباني، فهي عنايته بالتاريخ المرادف للمادة الأساسية للتاريخ الشعري: يعد هذا الشق على مقدار من الأهمية لا يقل عن سابقه في إعطاء التصور الشمولي لمشروع المرزباني في العناية بالتأريخ الشعري وخصوصيته. فإذا كانت الأشعار والأخبار هي المكون الأساسي لمادة التاريخ الشعري فإن ما يمكن إجماله في الحوار المستمر حول الشعر والشعراء هو الشق الآخر في عمل المرزباني الذي التفت إليه من خلال ثلاثة محاور في ثلاثة مؤلفات على النحو التالي:

•  المحور الأول: الجدل النقدي وردود أفعال قراء الشعر المهتمين، وهو ما أفرد له كتاب «الموشح، مآخذ العلماء على الشعراء في أنواع عدة من صناعة الشعر».

•  المحور الثاني: العناية بأخبار قراء الشعر المهتمين في كتابه المقتبس «في أخبار النحاة والقراء والعلماء والأدباء».

•  المحور الثالث: تنظير الشعر في أسسه، وقضاياه، وكافة ما يتعلق به من هذا الجانب، وهي المادة التي جمعها في كتاب «الشعر».

وتنبع أهمية المحاور السابقة من الالتفات إليها والعناية بجمع مادة كل منها في مؤلفات مستقلة عن المؤلفات الخاصة بالشعر وأخبار الشعراء، والجديد في جمع المادة بتلك المؤلفات التي تكرر ورود مقادير منها في غيرها هو إعادة تصنيفها في سياقات موضوعية تمكن القارئ من الظفر بنتائج على قدر كبير من الأهمية.