هل كل هؤلاء مخطئون؟!
لأن معظم كتاب مصر، كتاب الصحف الرئيسية و"الأعمدة" الرئيسية وبين هؤلاء أسماء مشهورة ومعروفة، مكرم محمد أحمد وعبدالمنعم سعيد ومرسي عطا الله وأسامة غزالي حرب وصلاح عيسى وهالة مصطفى وعزت السعدني وغيرهم، وعندما تكون أيضاً غالبية الفضائيات المصرية ضد كل الإجراءات التي اتخذها الرئيس محمد مرسي فأقحم مصر بشعبها إلى كل هذه الأزمة الطاحنة، ودفعها إلى شفير الحرب الأهلية، فإن هذا يعني أن هؤلاء على حق، وغيرهم على باطل، وأنه عندما يتخذ هؤلاء الذين يُعتبرون ضمير الشعب المصري هذا الموقف فإن المفترض أن يراجع "الإخوان" حساباتهم، وأن يدركوا أنهم يسيرون في طريق وعر، ستكون نهايته كارثة محتمة.وعندما يرفض عباقرة مصر وفنانوها وقضاتها ومحاموها وأدباؤها، وفي طليعتهم عمار الشريعي، الذي ضاعفت كل هذه الأحداث المأساوية ضغط الأوجاع على قلبه، فرحل دون أن يعرف كيف ستنتهي الأمور، فإن هذا يعني أن محمد مرسي قام بما قام به لحساب فئة سياسية واحدة هي جماعة الإخوان المسلمين، وأنه لم يتصرف في الأشهر الخمسة، التي قضاها في الحكم، كرئيس للمصريين كلهم ولا كرئيس لمصر، وإنما كعضو في هذه المجموعة، و"كمُقلِّد" للمرشد العام محمد بديع، الذي بات يتصرف رغم كل تعقيدات الوضع في مصر كـ"ولي فقيه"، يأمر فيُطاع وتنحني أمامه الرؤوس حتى رأس رئيس الجمهورية.
لا يمكن أن تكون كل هذه الأحزاب المصرية المنضوية في "جبهة الإنقاذ" على ضلال، و"الإخوان المسلمون" وصنائعهم ومستخرجاتهم على حق، ولا يمكن أن يكون الأزهر الشريف ومعه الكنيسة القبطية مخطئاً، ومحمد بديع وحده المصيب، ولا يمكن أن يبادر كل مستشاري الرئيس إلى الاستقالة احتجاجاً على "فرامانات" رئيسهم، ومعهم حتى نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذي هو الواجهة السياسية والتنظيمية الأخرى لـ"الجماعة"، ويبقى الرئيس في مواقعه لا يتزحزح، وكأنه ماوتسي تونغ أو كيم إيل سونغ... أو بشار الأسد أو ستالين!كان اللجوء إلى حرق مقرات "الإخوان" ومكاتبهم خطأً فادحاً يتعارض مع السلمية المفترضة لصراع اجتماعي لا يجوز أن يأخذ الطابع العنفي في كل الأحوال ومهما حصل، لكن ومع ذلك فإنه لا يجوز إغفال كم أن هذا الذي يحصل يدل على أن الرأي العام المصري لم يعد يحتمل تصرفات هذه "الجماعة"، ولم يعد يطيق مناوراتها وألاعيبها السياسية وتلوناتها وتحالفاتها المتغيرة وفقاً لمستجدات موازين القوى وأنظمة الحكم المتلاحقة.إن كل هذا يدل على أن "الإخوان" المسلمين خسروا "المستقبل" حتى وإن ربحوا هذه الجولة، وهم لم ولن يربحوها، ولقد كان عليهم بعد انتظارٍ تواصل لأكثر من ثمانين عاماً أن يتلاءموا مع مرحلة ما بعد موسم الربيع وما بعد ثورة يناير المجيدة فعلاً، وأن يتخلوا عن مفاهيمهم القديمة التي باتت لا تصلح لمستجدات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، وألا يتصرفوا مع الآخرين، الذين كانوا شركاءهم في الثورة، بضيق أفق وأنانية مقيتة وعلى أساس الاستحواذ والشمولية وإزاحة كل القوى والأحزاب السياسية عن طريقهم.