السعادة

نشر في 30-03-2012
آخر تحديث 30-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. محمد لطفـي كلمة بسيطة... قليلة الحروف أتعبت الكثيرين ومازالت، شغلت الجميع في البحث عنها، وأجهدت المفكرين والفلاسفة في تعريفها، فما هي السعادة؟

هي حال من الفرح والسرور والإحساس بالبهجة والأمان والسلام النفسي... وبصورة أبسط هي حالة من الراحة الداخلية تعبر عن نفسها بفرح خارجي.

أين تكون السعادة؟ في النجاح والفوز، في القناعة والرضا، في الأمان الاقتصادي والاجتماعي، في أي صورة من هذه الصور؟ أم هي في كل هذه الصور مجتمعة؟

لا شك أنك لو أجبت أنها في أي من هذه الصور لكانت إجابتك صحيحة، ولو أجبت أنها في هذه الصور مجتمعة لكانت إجابتك أيضا صحيحة، ولو أجبت أنك لا تعرف أين هي، ولا تستطيع تعريفها ولكنها حالة تشعر بها، فستكون إجابتك أقرب إلى الصواب. فمن الصعب أن نُعرّف السعادة أو نختزلها في حالة واحدة لكنها بالتأكيد متعددة الصور.

إحدى صور السعادة وأهمها هي في العطاء. نعم فسعادة الإنسان في قدرته على العطاء، ولا يرتبط هذا العطاء بقدرة مادية أو صحية، فقد يكون في كلمة تقولها أو زيارة تقوم بها أو تصرف لا يكلفك مالا ولا جهدا.

فالعطاء رغبة داخلية تتحرك في نفسك، وتتفاعل وتشتد وتقوى فتدفعك إلى سلوك وتصرف يترجم هذا العطاء، وبعطائك تشعر بسعادتك، وكلما زادت قدرتك على العطاء وتنوعت أساليبه زادت سعادتك، وعطاء الإنسان يتواصل في جميع مراحل حياته، ولا يرتبط بالشباب أو الرجولة، بل قد يكون عطاء الطفل أغلى صور العطاء وأنقاها.

انظر إلى طفل أتى تصرفا أو قال كلمة أسعدت والديه وفرحا بها وضحكا منها، فسعد الطفل لضحكهما وضحك بعدهما. هل تأملت هذه الضحكة الثانية؟ هل رأيت كم هي جميلة وصادقة؟ إنها ضحكة السعادة... سعادة العطاء، وبالأدق سعادة عطاء السعادة، وهي نوع نادر من السعادة. لماذا؟ لأنك حين تعطي فكرة أو مالا أو جهدا لإنسان فأنت تعطيه سببا للسعادة ولست متيقنا من أنه سيحصل عليها كنتيجة لما قدمته، لكنك حصلت عليها بمجرد عطائك أيا ما كان، وهذه هي سعادة العطاء.

والطفل هنا حين تنظر إليه يعطيك السعادة خالصة، أي أنه يعطيك النتيجة مباشرة وليس فقط سببا لها، وتكون سعادته هو كمانح لهذه السعادة. فعطاء أطفالنا نوع نادر من العطاء ويكذب من يقول إن الطفل في سنواته الأولى يأخذ من أبويه فقط ولا يعطيهما... إطلاقا فعطاؤه لهما لا يقل– رغم ندرته- عن عطائهما له على كثرته.

وعطاء الإنسان لا يتوقف أبدا– كما سبق أن قلت- في أي مرحلة سنية بل إنه لا يتوقف رغم ما قد يعتري الإنسان من أزمات أو مشكلات تعترض طريقه، فالعطاء للإنسان السعيد هو فلسفة حياته ومحور وجوده لا ينتهي بأزمة أو مشكله أو تقدم في العمر.

***

"أصدق ما في الحياة ضحكة طفل ودموع رجل". لماذا؟ لأن كليهما لا ينافقان، فقد يبكي الطفل جوعا أو رغبة في النوم أو خوفا وهربا من خطأ ارتكبه نفاقا لوالديه لكنه لا يضحك أبدا إلا مع إحساسه بالفرح والسعادة. وعلى النقيض يضحك الرجل ويبتسم كثيرا نفاقا ومجاملة لغيره من باب اللياقة الاجتماعية لكنه أبدا لا يذرف الدمع إلا مع إحساسه الصادق والكبير بالألم أو المعاناة أو الحزن.

تأمل في ضحكة الطفل ودموع الرجل تجدهما متشابهتان رغم تضادهما.

وأخيرا قال حكيم: "كل الأشياء تقلّ بالقسمة على اثنين إلا السعادة فإنها تزداد".

back to top