فجر يوم جديد: خذوا الحكمة من أفواه الطغاة!

نشر في 01-10-2012
آخر تحديث 01-10-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب يتعامل بعض النقاد مع نوعية من الأفلام باستخفاف لمجرد أنها كوميدية أو يقوم ببطولتها ممثل لم يُعرف عنه أنه صاحب مواقف سياسية، رغم القراءة المتأنية والدقيقة للفيلم الذي قوبل بتجاهل، تكشف عن نقاط مهمة جديرة بإلقاء الضوء وتسليط الأنظار، ومناقشتها إذا لزم الأمر.

فيلم «تيتة رهيبة» للنجم الكوميدي محمد هنيدي، الذي يُعرض الآن في الصالات، ويحصد إيرادات كبيرة في شباك تذاكر السينما المصرية، واحد من هذه النوعية الملتبسة؛ فالفيلم يبدو في الظاهر وكأنه عمل سطحي يقدم ما يرُضي غرور جمهور «هنيدي»، ويحقق مواصفات الفيلم الكوميدي الذي يُعرض في موسم العيد، بينما يحمل في طياته قضية مهمة إذا نظرنا إلى شخصية الجدة المتسلطة، قدمتها باقتدار الممثلة الكبيرة سميحة أيوب، التي تهيمن على حفيدها، محمد هنيدي، وتقهر جيلاً بأكمله في شخصه، بعدما أفقدته الثقة بنفسه وأصابته بالمرض والعجز عن اتخاذ القرار، والخوف من التواصل مع محيطه الاجتماعي، ونجحنا في ربطها بشخصية «الطاغية» أو «الديكتاتور»!

قراءة لا تحمل مبالغة، بل تؤكدها إشارات كثيرة ذات مغزى؛ فالجدة تنتمي إلى أصول ألمانية، ربما خشي الكاتب يوسف معاطي من القول إنها «نازية»، لكنه كان واضحاً عندما جعلها تُُطلق على أحد كلبيها اسم «جوبلز» (29 أكتوبر 1897 - 1 مايو 1945) وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية (!) وفي إشارة أخرى يكشف الفيلم أنها لم تطق الحياة مع «المايسترو» رمُان الدرديري، عبد الرحمن أبو زهرة، عاشق الموسيقى والسيمفونيات، لأنها لا ترى عن التسلط والجبروت بديلاً، فوقع الطلاق بينهما، وفضلت الرحيل إلى ألمانيا، ولم تعد إلا بعد وفاته!

هذه الجدة المتغطرسة ظلت تمارس أسوأ أنواع السلطة الأبوية على «الحفيد»، لكنها بدت في المقابل الوحيدة القادرة على حمايته بالقوة، وبالكلاب التي تُطلقها لتتعقب البلطجية والأشرار، وتُعيد لرعاياها الحق المغتصب!

المفارقة أن الفيلم الذي أخرجه سامح عبد العزيز يبدو وكأنه يُمسك العصا من المنتصف عندما ينصح الجيل الجديد، في شخص الحفيد، بأن يستقل بقراره، ويُصبح قادراً على المواجهة والمقاومة والاقتحام، وأن يخرج من «الشرنقة» أو «كهف الأفكار البالية»، ليعيش الحياة، ويستمتع بجمالها، بينما يُثني في أكثر من مشهد على «الديكتاتورية»، التي لا تخلو من إيجابيات!

رسالة مليئة بالتناقض، بحيث يلتبس الأمر على المتلقي، فلا يدري إن كان فيلم «تيتة رهيبة» يناهض «الديكتاتورية» أم يُحبذها ويدعو إليها، وهو الالتباس الذي يتأكد تماماً مع النهاية السعيدة، التي تشهد تصالح الجدة والحفيد، الذي يُدرك، ومطلوب أن نجاريه في قناعاته الجديدة، أن «الديكتاتورة» بريئة، وأنها لم تلجأ إلى القمع والقهر والعنف اللفظي (لم تنطق اسمه مرة واحدة بل كانت تناديه «يا حيوان») والمعنوي (إطلاق الكلاب الوحشية المدربة على من يختلف معها) سوى لأنها تستهدف «الصالح العام»، وترغب في تنشئة أبناء الجيل الجديد على الانضباط والالتزام ونبذ الفوضى والعشوائية!

فشل الكاتب يوسف معاطي في تحديد وجهته فما كان منه سوى أن انحرف بالسيناريو إلى خطوط فرعية وهامشية (مونتاج شريف عابدين)، كالتحذير من تفشي ظاهرة حمى شراء السلع الاستهلاكية والزج بشخصيات زائدة، وإهماله رسم ملامح دقيقة للشخصيات، باستثناء شخصيتي «الجدة» بملابسها وتزمتها، وعنفوانها في هذه المرحلة العمرية المتأخرة وجبروتها، و»الحفيد» بشكله (ملابسه ونظارته وتسريحة شعره) وثقافته الكلاسيكية التي لا تليق بشاب عصري (يُفضل أغاني محمد فوزي وعبد الحليم حافظ)!

بعيداً عن الكاتب والمخرج، الذي تراجعت لغته السينمائية كثيراً مقارنة بأعماله السابقة، يستحق المبدع إسلام يوسف المشرف الفني ومصمم ديكور والأزياء الإشادة لإسهامه البارز في إضفاء واقعية ومصداقية على الشخصيات الدرامية، وإن بالغ قليلاً في اختيار «القبعة» التي ارتدتها «الجدة» عند عودتها من ألمانيا، فليس كل من عاش سنوات في الخارج «خواجة ببرنيطة»!

لدى الكاتب يوسف معاطي ولع مرضي بتمييع المواقف، وغرام أبدي باللعب في المنطقة الرمادية، بحجة التوازن أو «الحياد الإيجابي»، وقد يكون مُحقاً فيما يذهب إليه إذا كان الأمر يتعلق بالرغبة في صنع فيلم كوميدي خالص شعاره «الضحك للضحك»، أما إذا جنح بخياله وكلماته، ودفعه الطموح إلى إبداع فيلم يحمل رسالة، ويتبنى موقفاً، فعليه في هذه الحالة ألا يلجأ إلى «تسطيح القضايا الجادة»، و»تمرير الأفكار الرديئة»، وخلط الجد بالهزل أو «دس السم في العسل»... وهذا بالضبط ما فعله في فيلم «تيتة رهيبة»!

back to top