كثُرت التعليقات في الفترة الأخيرة في الصحافة العربية والأجنبية، عن نية الرئيس مرسي تطبيق أجندة "إخوانية" تنطلق من مبادئ "الإخوان" الأولى وما جاء به سيد قطب، خصوصاً في كتابه "معالم في الطريق" واتهامه هذا العصر بأنه "جاهلية القرن العشرين"، فشجع أخاه (محمد قطب) على إصدار كتاب فيما بعد بعنوان "جاهلية القرن العشرين".
ولكن الرئيس مرسي الدارس للعلوم الطبيعية في أميركا والأستاذ في الجامعات المصرية بعد ذلك، والقارئ والمثقف ورئيس حزب "الحرية والعدالة"، لن يكون سيد قطب، ولا محمد قطب، ولن يرمي هذا العصر بالجهل والجاهلية؛ لأن موقعه الرسمي كرئيس لمصر يختلف عن موقعه كرئيس لحزب "الحرية والعدالة". ولو عاش سيد قطب بيننا الآن، وتقلَّد منصباً رسمياً لتخلي عن كثير من آرائه السابقة التي بثها في كتبه، كذلك لو أصبح محمد قطب رئيساً لجمهورية مصر العربية لما أطلق على القرن العشرين نعت "الجاهلية"، وهو ما حصل مع طه حسين مثلاً، حين أصبح وزيراً للمعارف في وزارة الوفد 1950، ولم يعد يردد ما قاله في كتابه "في الشعر الجاهلي".مرسي و«فن الممكن»صدق من قال: "السياسة فن الممكن"، فهل من الممكن في هذه الظروف المصرية، والعربية، والإقليمية، والدولية الحالية، أن يطلق رئيس على العصر الذي نعيشه بأنه "جاهلية"، ولو بقي الرئيس مرسي رئيساً لحزب "الحرية والعدالة" لتمكن- ربما- من إطلاق ذلك النعت بكل سهولة، كما يفعل زعماء الأحزاب العربية والأجنبية الآن.فما يجوز لرئيس حزب أن يقول ويفعل، لا يجوز لرئيس دولة كذلك،وهذا ما أدركه وفهمه جيداً الرئيس مرسي، الذي يتصرف الآن كرئيس لمصر وليس رئيساً لحزب "الحرية والعدالة"، من خلال خطابه في استاد القاهرة بمناسبة "نصر أكتوبر 1973"، وقد أثبت في أكثر من مناسبة ذلك، وكانت المناسبة الأولى إشادته بعبدالناصر في طهران في مؤتمر عدم الانحياز الأخير، ثم جاءت المناسبة الثانية في هذا الشهر بمناسبة الاحتفالات بنصر أكتوبر.فمنح، الرئيس الراحل أنور السادات أرفع وسام في البلاد، بينما اعتبره محللون محاولة جديدة للتوافق مع عقود، سيطر فيها رؤساء ذوو خلفية عسكرية على السلطة، وضيقوا خلالها على جماعة "الإخوان المسلمين" التي ينتمي إليها مرسي، وهي بادرة تدل على أن مرسي رئيس مصري وليس "إخوانياً" كما يظن البعض، ولو كان رئيساً "إخوانياً" لما غفر لعبدالناصر تعذيبه وسجنه لـ"الإخوان" في الستينيات من القرن الماضي وشنقه لسيد قطب، وإعدامه لمجموعة من زعماء "الإخوان". وهذا ما لحظه وقاله أستاذ فلسفة القانون وتاريخه بجامعة الزقازيق والمحلل السياسي، محمد نور فرحات، الذي أكد أن الرئيس مرسي يعطي إشارات متتالية إلى أن الحكم الجديد الذي جاء بعد ثورة 25 يناير، متوافق مع مراحل التاريخ المصري المختلفة، بصرف النظر عن الخلافات السياسية، التي كانت موجودة في كل مرحلة.وأضاف فرحات بقوله: "هذه موضوعية في التعامل مع التاريخ كنا نفتقدها. وهذه سُنَّة محمودة تعطي المصريين الثقة، بأن من حكامهم، من يستطيع إعطاء كل ذي حق حقه".ولم تفت هذه المناسبة المهمة والإشارة السياسية المعبرة على أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والناشط والمحلل السياسي، حسن نافعة، الذي قال: "إن قرار منح الوسامين ليس له أي تفسير، سوى أن الرئيس أنور السادات له أفضال كثيرة على جماعة الإخوان المسلمين، حيث أطلقهم في بداية حكمه أوائل السبعينيات من السجون وأعطاهم فرصة العمل السياسي أكثر مما كان متوقعاً". ورغم خطأ نافعة في هذا التفسير الذي يؤكده إشادة مرسي بعبدالناصر السابقة، فإن نافعة فسَّر هذه الخطوة بأنها نتيجة لاعتبار السادات "جماعة الإخوان" سنده الأساسي، قبل أن يدخل معهم في تناقض بسبب اتفاق "كامب ديفيد" 1978 الذي وقعه السادات قبل توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن ماذا عن قرار مرسي الآخر بمنح الفريق سعدالدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الراحل قلادة النيل العظمى، ويوصف الشاذلي بأنه من وضع خطة مهاجمة خط بارليف على الشاطئ الشرقي لقناة السويس، قبل الحرب مع إسرائيل عام 1973، وقلادة النيل العظمى هي أرفع وسام مصري، بينما وسام نجمة الشرف، هو أرفع وسام عسكري.فهل كان للشاذلي أفضال كثيرة على جماعة "الإخوان المسلمين"، حيث أطلقهم في بداية حكمه أوائل السبعينيات من السجون، وأعطاهم فرصة العمل السياسي أكثر مما كان متوقعاً، كما قال نافعة عن السادات؟تلك هي طفولة، وصبيانية، بعض المثقفين الليبراليين في مصر، الذين لا يقرؤون التاريخ جيداً، وإن قرؤوه لا يفهموه!من رئيس حزب إلى رئيس دولةسيكتب التاريخ بالتفصيل غداً عن الدوافع التي حملت الرئيس مرسي إلى ترك رئاسة حزب "الحرية والعدالة" والتقدم، ليصبح رئيساً لمصر كلها.فهل كان الهدف طمأنة النفوس إلى أن جماعة "الإخوان المسلمين" ليسوا "شياطين الإسلام"، وليسوا "سيوف الإسلام"، التي حاربت "الكفار"، قبل 15 قرناً، وليسوا هم "المماليك" و"الولاة العثمانيون" الذين أعادوا مصر إلى القرون الوسطى؟ ولولا مجيء المنقذ، ورائد نهضة مصر الحديثة محمد علي باشا وابنه القائد الفذ إبراهيم باشا، لكانت مصر الآن وبلاد الشام، تعيش في ظلام حالك وتخلف هالك. فخلال سبع سنوات فقط (1833- 1840) استطاع القائد الفذ إبراهيم باشا، أن يُخرج بلاد الشام من ظلمات العثمانيين إلى نور الأنوار، ولو استمر في حكم بلاد الشام أكثر من ذلك، لكانت حال بلاد الشام غير حالها اليوم.الرئيس والملفات الكثيرة والضخمةقال الكاتب المصري صبري غنيم، إن الطريق إلى رئاسة الجمهورية المصرية "مفروش بالألغام" ("المصري اليوم"، 10/5/2012). وقال: "إن الرئيس القادم، سيكون مثقلاً بملفات كثيرة، وضخمة، وعسيرة. وعلى رأسها ملف الفقر المزمن، نتيجة لعوامل كثيرة، منها الزيادة السكانية الضخمة والسريعة، ومنها الفساد المالي والسياسي، ومنها سوء مناهج التعليم، وتدهور مستوى التعليم المهني؛ إضافة الى ملفات كثيرة، تمسُّ الصناعة، والاقتصاد في بلد محدود الموارد الطبيعية، ويعيش على شريط مائي (الدلتا) مهدد الوجود، وبينه وبين إسرائيل معاهدة سلام هشَّة، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهناك من يهدد بإلغائها، ويدغدغ بهذا الهدف مشاعر الشارع الديني البسيط المحافظ، الذي يطرب لمثل هذه المواويل السياسية القاتلة، والمدمرة، لو علم بذلك"!لقد قرر معظم المفكرين والفلاسفة الذين تناولوا موضوع الأخلاق وأزمتها في العصور والأمكنة المختلفة أن هذه القيم ثابتة، وقد أكد ثبوتها، تأكيد الأديان السماوية لها، ودعوتها إلى الالتزام بها، ومن هنا نرى، أن أخلاق أي شعب في أي عصر من العصور، لا تتميز، ولا تختلف عن أي قيم أخلاقية، جاءت بها الإنسانية، ولكن يستدرك هؤلاء المفكرون، بأن اختلاف هذه القيم- فيما لو حصل- ناتج عن ظروف اقتصادية، وسياسية، وثقافية معينة. ولنضرب لذلك مثل مصر الآن بعد ثورة 25 يناير 2011، فانتشار الرشوة في العهود السابقة، وانتشار الفساد المالي، والاستيلاء على أراضي الدولة، وسرقة المال العام، كل هذا، كان نتيجة الضائقة المالية، التي تعانيها مصر، إلى الحد الذي أصبحت معه هذه الرذائل فضائل لدى البعض. إلا أن الكشف عن هذه الرذائل، بعد ثورة 25 يناير، والنقد القاسي الذي وُجِّه إلى مرتكبي هذه الرذائل، هو الذي كشف بوضوح عن وجود أزمة أخلاقية، كانت سبباً في الأزمة السياسية، وبقيام ثورة 25 يناير 2011.* كاتب أردني
مقالات
هل جاء مرسي رئيساً «مصرياً» أم «إخوانياً»؟!
10-10-2012