حين يتوفى الأب ويترك أولاداً صغاراً فإن غيابه سينعكس على نفسياتهم مهما عملت الأم أو اجتهد الابن الأكبر، وفي حالات كثيرة يستمر هذا التأثير ويؤدي إلى اضطرابات نفسية مقلقة، فبعض الأولاد قد يقاوم وينجح في مواجهة الوضع ولا يظهر عليه الحزن ولكن بعضهم قد لا تبرأ جراحه ويظل في حزن مستمر إلى الأبد.

Ad

هذا عادة يحدث في حالات الوفاة الطبيعية ويزداد سوءاً لو كانت الوفاة نتيجة لحادثة، ولكن ماذا تتوقعون في حالة اختفاء الأب في ظرف غامض، ولا يجد الأولاد له أثراً لأكثر من خمسين عاماً؟ وأعني بها المأساة الغريبة العجيبة التي أخفت محمد علي البداح الذي خرج من منزله مساء يوم ٢١ ديسمبر ١٩٦١ ولم يعد.

تصوروا نوازع الخوف والأمل والغضب والقهر والضياع وفقدان الثقة، وكل الإحساسات المختلفة لعائلته بين الترقب والأمل في بداية اختفائه، والأمل أن تقوم الحكومة بنبش الأرض بحثاً عنه، ثم خيبة الأمل والغضب عندما أغلقت الحكومة الباب، ورفضت أن تبحث في علاقة الرجل بعمله، حيث لم يُفتح هذا الباب حتى الآن مما يرجح أن محمد البداح قد قُتل على يد مجرم من سراق الأراضي.

في مثل هذا اليوم يكون قد مر واحد وخمسون عاماً على اختفائه،  وكان عمره حينها قد تعدى الأربعين، مما يعني أن فرصة بقائه حياً حتى الآن أصبحت ضئيلة لو افترضنا أن خاطفه أخفاه طوال هذه المدة ولم يقتله. فماذا تتوقع أن يحدث لأولاده؟ من المؤكد أن مأساة بهذا الحجم لا بد أن تترك جراحاً عميقة في نفوس الأولاد، وهو ما عانته العائلة ولا تزال. إن احترام القانون واجب على الجميع لكن من الصعب أن تطلب هذا من إنسان لم يحترم القانون حقوقه، والأسوأ أن يغمض القانون عينه عن المجرم الذي اختطف وقتل والد هذه العائلة.

إن مرور السنين والانشغال بالحاجات الإنسانية والأعمال والقضايا العامة قد يخفف من وطأة المأساة عند أبناء وبنات محمد البداح بعض الوقت، لكنها لا تلغي الذاكرة ولا تمحو المأساة ولا تنسي الأولاد أباهم وحقهم في معرفة مصيره، ومعاقبة المسؤول عن الاعتداء عليه. وقد أثرت المأساة في بعض أولاده تأثيراً كبيراً أدى إلى تراكمات نفسية محزنة لا يمكن علاجها إلا بمعرفة مصير والدهم. إن أحداً لا يمكن أن يتصور الألم والحزن والغضب الذي يعتمل في الصدور، وأظل أتمنى أن يصحو ضمير أي فرد في حكومة الكويت، ويكشف سر هذه الجريمة الغامضة.