مع انزلاق سورية إلى حرب أهلية شاملة، فإن قدراً كبيراً من المذبحة المتفاقمة الجارية هناك كان راجعاً إلى عمليات القصف الجوي للأحياء في المناطق الحضرية التي يسيطر عليها معارضو الرئيس بشار الأسد، حيث أسفرت هذه الهجمات عن خسائر فادحة بشكل خاص في الأسابيع الأخيرة في مدينة حلب القديمة، ولكن هل من الممكن القيام بأي تحرك لمنع القتل؟

Ad

هناك العديد من الأسباب الوجيهة التي تحول دون التدخل عسكريا، فمن المستحيل أن يتم هذا تحت رعاية الأمم المتحدة، نظراً لاعتراضات روسيا والصين في مجلس الأمن، وهناك أيضاً التردد المفهوم من جانب أميركا إزاء التورط في حرب أخرى في دولة إسلامية، هذا فضلاً عن استحالة التكهن بشكل النظام الذي قد ينشأ إذا أطيح بالأسد. ومع هذا، فمن المستحيل أيضاً أن نقف موقف المتفرج في حين يستمر حمام الدم اليومي، لقد أصبح الوضع في سورية متزايد الشبه يوماً تلو الآخر بما شهدناه في البوسنة قبل عشرين عاما. وآنذاك، كما هي الحال الآن، كانت استجابة المجتمع الدولي الرئيسة لفترة طويلة تتلخص في تقديم المساعدات الإنسانية لعدد متزايد من ضحايا الصراع.

وبفضل القنوات الفضائية، أتيح للعالم آنذاك أن يشاهد مباشرة مواطني سراييفو، الذين استبقوا على قيد الحياة بفضل المساعدات الغذائية التي قدمتها لهم الأمم المتحدة، وهم يقتلون تحت القصف وبرصاصات القناصة من التلال المحيطة. واليوم تقدم الولايات المتحدة كميات متزايدة من المساعدات للاجئين السوريين الذين تمكنوا من الفرار إلى دول مجاورة، في حين يُذبح هؤلاء الذين لم يتمكنوا من الفرار. وكما هي الحال مع سورية الآن، كان الدعم الروسي للجانب الصربي قبل عقدين من الزمان أحد العوامل التي منعت التدخل العسكري، ولكن هذا لم يكن بأي حال من الأحوال العقبة الوحيدة. فبسبب الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 1992 كانت إدارة الرئيس جورج بوش الأب عازفة عن استخدام القوة العسكرية. وتسببت عوامل سياسية أخرى في منع بريطانيا وفرنسا- وكلينتون خليفة بوش الأب- من التدخل قبل ثلاثة أعوام أخرى من القتل.

ورغم أن التدخل العسكري في سورية قد يكون مستحيلا، فإن فرض منطقة حظر الطيران ليس مستحيلا، ولا شك أن فرض منطقة حظر طيران فوق سورية لن يكون بالمهمة البسيطة: حيث يتطلب الأمر توافر موارد ضخمة، ونظراً للقدرات العسكرية التي يتمتع بها النظام السوري، فإن هذه العملية لن تكون خالية من المخاطر، ورغم هذا فقد فُرِضَت منطقة حظر الطيران لأكثر من عشرة أعوام في العراق المجاور لمنع صدّام حسين من مهاجمة شرائح من شعبه، لذا فنحن نعلم أن هذا من الممكن أن يتم في سورية أيضا.

بطبيعة الحال، هناك جهات تزود المعارضة السورية بالأسلحة- دول الخليج مثل قطر والمملكة العربية السعودية، كما يفترض. ومع هذا فما دامت قوات الأسد قادرة على مهاجمة الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة بالطائرات العمودية (الهليوكوبتر) والطائرات ثابتة الجناحين، فإن قدرة المعارضة على الإطاحة بالنظام بالاستعانة بالأسلحة المتاحة لها الآن تبدو موضع شك كبير. والأمر الأكثر يقيناً هو أن وجود المقاتلين المسلحين في أي من الأحياء من شأنه أن يستفز الهجمات الجوية التي تدمر البنية الأساسية المدنية وتشوه وتقتل السكان الذين عجزوا عن الفرار.  لقد بذل الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، جهوداً بطولية في التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سلمية عندما كانت فرص النجاح قائمة ولو كانت ضئيلة. ومنذ ذلك الوقت، كان الارتفاع الحاد في مستويات سفك الدماء سبباً في استبعاد احتمالات، أو حتى استحالة، قبول معارضي الأسد لأي اتفاق يبقي عليه في السلطة، وفي الوقت نفسه، لابد أن الموالين للأسد، وخاصة أعضاء طائفة الأقلية العلوية، يخشون أن يتعرضوا للذبح إذا سقط نظامه. عند نقطة ما، قد يصبح لزاماً على المجتمع الدولي أن يتدخل لمنع أو تخفيف هذه المذبحة، والواقع أن مصداقيته في القيام بهذا، وبالتالي احتمالات نجاحه، سوف تكون أعظم كثيراً إذا تحرك الآن لإقامة منطقة حظر طيران من أجل حماية المدنيين في الأحياء المعارضة من المدن السورية.

ولأن التعنت الروسي الصيني يمنع الأمم المتحدة من إقامة منطقة حظر طيران، فيتعين على جامعة الدول العربية ومنظمة حلف شمال الأطلسي أن تتوليا زمام الأمر بشكل مشترك. وفي حين قد تكون مشاركة الولايات المتحدة التي تمتلك القدرات اللوجستية اللازمة أساسية، فلا ينبغي لها أن تكون في المقدمة، وكما أثبتت حالة ليبيا، فإن هذا قد يشكل فرصة ممتازة "للقيادة من المؤخرة".

إن فرض منطقة حظر طيران ليس حلاً للصراع في سورية بأي حال من الأحوال، ولكنه يشكل خطوة متواضعة في الاتجاه الصحيح من أجل الحد من الضرر العظيم الواقع حاليا، ولا شك أن تبني نهج أكثر شمولاً في التعامل مع هذه الأزمة، إن كان التوصل إليه ممكنا، سوف يكون أفضل كثيرا، ولكن إلى أن يحدث هذا فإن الأمر يستحق مواصلة المساعي والجهود الرامية إلى المساعدة في تخفيف المذبحة.

* أرييه نيير ، رئيس معهد المجتمع المفتوح ومؤسس منظمة واتش لمراقبة حقوق الإنسان، ومؤلف كتاب «نيل الحريات: أربعة عقود من النضال من أجل نيل الحقوق».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»