"ما الذي حدث للكويت؟ ولماذا؟"، هذا ما رددته الناشطة الحقوقية البحرينية ندى ضيف في فيديو مسجل عرض في المهرجان الخطابي الذي أقامته مجموعة 29، بعنوان "حرية التعبير في الكويت إلى أين؟"... وقد تطرق خلاله المحاضرون إلى الأشكال المختلفة والأمثلة المتنوعة من انتهاكات حقوق الإنسان والحريات التي أصبحت اليوم للأسف ظاهرة لا يمكن أن ينكرها كل من يؤمن بالحريات والدولة المدنية، كظاهرة استخدام العنف والقوة لفض التجمعات السلمية (التي تعرض لها الكويتيون والبدون)، وظاهرة الاعتقالات واستخدام الحبس الاحتياطي لتأديب وإخراس الشباب المسالمين الذين وجهت لهم تهم جاهزة، وتعرض بعضهم للمعاملة السيئة (سواء من الكويتيين أو البدون). سأتطرق في هذا المقال إلى نموذجين مختلفين للانتهاكات الصارخة، التي لا يمكن أن تحدث في بلد يفاخر المسؤولون فيه بديمقراطيته.

Ad

تحدثت الناشطة البحرينية ندى ضيف عن تجربتها القاسية التي حصلت لها عند منافذ الكويت في شهر نوفمبر الفائت، فقد تعرضت وأسرتها الصغيرة للتحقيق لساعات طويلة، وواجهت خلالها أسئلة المحقق الطائفية لوجود اسمها في قائمة الممنوعين من دخول الكويت، تقول ندى: "لم أتوقع هذه المعاملة في بلد عزيز كان منارة للخليج... تصوروا أنني استطعت الخروج من بلدي بكل سهولة، واستطعت المرور عبر الحدود السعودية بكل سهولة، ثم آتي إلى الكويت وأمنع من الدخول. ثم يبدأ التحقيق: هل ذهبت إلى التظاهرات؟ هل ذهبت إلى دوار اللؤلؤة؟ هل احتللتم مستشفى السلمانية؟"... تقول ندى إنها شعرت، وهم يحققون معها كأنها في مبنى المخابرات في البحرين؟ وتتساءل من أين أتى رجل أمن الدولة "بهذه السلطة المطلقة" ليمنع ويهدد؟ ولماذا تتعرض لهذه المضايقات أمام أطفالها الذين سمعوا هذه الأسئلة الطائفية، ورأوا أمهم تستجوب وتجر من قسم إلى قسم؟

سكوتنا عن هذه الانتهاكات، وعدم الضغط لمحاسبة المسؤولين، جعل هذه المهزلة تتكرر لبعض البحرينيين والمثقفين والكاتبة السعودية بدرية البشر التي لم نعرف إلى الآن لماذا منعت من الكويت؟ رغم أنها تتنقل بحرية من وإلى السعودية... كيف نفسر هذه الحالة إلا أنها انحدار سحيق لمستوى الحريات.

أما التجربة الأليمة الأخرى فهي تجربة الصديق الخلوق المسالم عبداللطيف الشمري، الشاب البدون الذي أطفئ نور عينه في 2 أكتوبر حين مارست القوات الخاصة عنفها في اليوم العالمي للاعنف، لتصيبه الطلقة المطاطية وتفقأ عينه اليمنى. وحين نقل إلى المستشفى العسكري أصر الدكتور هناك نتيجة إصابته الخطيرة ونزفه الشديد على نقله إلى مستشفى البحر، وتم حجز تلفونه ومنعه من الاتصال بمحام أو بأهله، كما فرضت عليه حراسة مشددة ليومين. وجاء في التقرير الطبي الأولي "جرح غائر في العين اليمنى، مع انفجار بمقلة العين، لا يمكن فحص العين كاملة لصعوبة وخطورة الإصابة"... خضع عبداللطيف لعمليتين جراحيتين إلا أنه لم يطرأ أي تحسن لحالته. وبعد خروجه من المستشفى تم إرسال التقارير الطبية إلى عدة مستشفيات عالمية متخصصة، وأتى الرد بتوافر العلاج في المستشفى الأميركي بفرنسا، وتم تحديد موعده مع الطبيب في 2013/1/25، إلا أن فرصة عودة البصر لعينه قد تضيع لعدم استطاعته تحمل التكاليف، وبسبب تقاعس الحكومة، التي لم تحرك ساكناً لمحاسبة المتسببين في عاهته المستديمة، وعدم قيامها بمسؤوليتها لإرساله للعلاج في الخارج.

حكايتان مختلفتان في الأثر والنتيجة، لكن "جريمة" شخوصها واحدة وهي التعبير عن آرائهم بسلمية، وهل يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظل حكومة تحرك عدتها وعديدها، لا لمحاربة الفساد وفرض هيبة القانون والحريات، بل لتكميم الأفواه وفرض الهيبة المزعومة في معالجاتها الأمنية؟ وهل يمكن الحديث عنها في ظل دستور مهدور تلغي نصوصه قوانين تغتال ما كفله من حقوق وحريات، لتتعسف السلطة التنفيذية المتمددة بادعائها تطبيق قوانين غايتها صنع شعوب تساق كالنعاج والقطعان، فمن يعوض من أهدرت حقوقه وحرياته في بلد "الديمقراطية العنيفة" عن الضرر النفسي والجسدي؟