ما يجري في المشهد السياسي اليوم هو محاولة تغيير للمفاهيم بحيث يصبح الباطل حقاً والحق باطلاً عبر إطلاق شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وآخر هذه الصيحات هو ادعاء البعض بأنهم حماة الدستور، بينما يصفون ممارسة سمو الأمير لحقه الدستوري بأنه "الحكم المتفرد الدكتاتوري" بينما لو تفحصنا الواقع لوجدنا أن العكس هو الصحيح تماماً.
فسمو الأمير مارس صلاحياته المنصوص عليها حسب المادة (71) التي تعطيه وحده الحق في تقرير الضرورة، بينما يستطيع المجلس القادم أن يبطل أي مرسوم يصدر في فترة حل المجلس، فأين الحكم المتفرد؟ ثم إن سمو الأمير أبدى التزامه مجدداً بالدستور عندما تعهد بقبوله لحكم المحكمة الدستورية "أيا كان" فيما لو نظرت بقانونية مرسوم تقليص الأصوات، وهذا الموقف يعبر عن إيمان حقيقي بالدستور الذي يدّعي البعض حمايته.لكن تعالوا نلقِ نظرة على الجبهة المقابلة لنرى العجب العجاب، فبينما تعهد سمو الأمير بقبول أي حكم للمحكمة وجدنا النائب السابق هايف يدعو المحكمة الدستورية إلى رفض المرسوم لأن الشارع يرفضه! أي أن حكم المحكمة يجب أن يكون حسب مزاج الشارع (مع أن هناك أكثر من شارع) لا حسب القانون والدستور. ثم يضيف هايف "لا فض فوه" بأن المحكمة إن لم تنزع فتيل الأزمة بإبطال المرسوم وتقر بدستوريته فإن الأزمة ستستمر! أرأيتم يا سيدات ويا سادة؟ إنها دعوة صريحة إلى الفوضى وشريعة الغاب إن لم يكن حكم المحكمة على مزاجهم، فإما تحقيق مطالبهم (وليذهب الدستور والقانون إلى الجحيم) وإما إشاعة الفوضى. أليست هذه هي الدكتاتورية بشحمها ولحمها؟! أليس هذا هو الحكم المتفرد الذي يدّعون انتقاده؟! ولكي لا ننسى فقد سبق أن خونوا المحكمة الدستورية عندما أبطلت مجلس 2012 واعتبروا قرارها منعدما واتهموها بالخضوع للقرار السياسي.إن هذه الحركة الغوغائية لا تهدف لا إلى حماية الدستور ولا كرامته، لكنها في حقيقتها تهدف إلى حماية مكتسباتها المتمثلة بزحف أعضائها على السلطة التنفيذية واختطاف القرار السياسي بالبلد، والذي تعودوا عليه في السنوات الماضية، بدءاً من الصراخ والعويل على مشروع "الداو" واستطاعتهم إخضاع الحكومة الضعيفة لرغباتهم التي بان حجم دمارها بعد حكم التعويض البالغ أكثر من ملياري دولار بسبب إلغاء الصفقة، إلى إهدار المال العام على الكوادر العبثية عبر الضغوط وتهييج الشارع وتشجيع الإضرابات، إلى حصد التعيينات في المواقع الحكومية وتمرير قبول أبنائهم والمقربين منهم في الكليات الأمنية تجاوزاً على حقوق الآخرين، إلى ممارسة الابتزاز عبر الاستجوابات الشخصانية والمدمرة من أجل التخريب وفرض الأمر الواقع كما يقول المثل "يا ألعب يا أخرب الملعب".هذه هي القضية وهذا هو بيت القصيد... لقد استغلوا ضعف الحكومات المتعاقبة منذ 2008 حتى الآن للعب دور السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد من أجل فرض مزيد من التطرف والإقصاء كما رأينا في أدائهم في مجلس 2012 المبطل. وما يجري الآن من فوضى وتهييج للشارع ما هو إلا محاولة للحفاظ على هذا الوضع المختل الذي زاد من انتشار الفساد. إنها ببساطة "كرامة دكتاتورية" غلفت بشعار "كرامة وطن" والبسطاء التابعون هم الضحية دائماً.
مقالات
كرامة دكتاتورية
08-11-2012