يبدو هنالك تحسس عام من تسمية الأشياء بأسمائها ربما من باب اللياقة السياسية، وربما من باب خلط الأوراق وتأجيل إيجاد الحل الناجع لأمراض الوطن. صحيح أن هنالك أخطاءً "أكاديمية" في استخدام بعض المصطلحات كمصطلح "بدو"، إذ لا وجود فعليا للبداوة في المدينة، ولكن قد يستعاض بذلك بمصطلح "أبناء القبائل" للإشارة إلى أبناء الكويت ممن يتمسكون ويفخرون بتراثهم القبلي ويشكلون الأغلبية من سكان ما اصطلح على وصفه "بالمناطق الخارجية". ومصطلحا الحضر والشيعة لا يقلان صعوبة في التعريف اجتماعياً وتاريخياً وثقافياً، فلا "الحضر" طبقة اجتماعية واحدة، ولا يمكن غض النظر عن ارتباطاتهم وجذورهم القبلية، ولا يشكل الشيعة أيضا فئة متجانسة اجتماعياً أو مذهبياً أو عرقياً.
وهنالك طبعاً خطر التعميم والتنميط (Stereotype) حيث تطلق أحكام مسبقة على الفرد حسب عرقه أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو غيرها من العناصر الديموغرافية لما في ذلك من جهل واضح يفتح أبواب العنصرية والتعصب والتمييز، ولكن عند تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية أو حتى الاقتصادية (مثال: سلوك المستهلك أو حاجة الأسواق) فلا بد من فحص هذه العناصر كافة للوصول إلى تحليل واستنتاج اجتماعي واقعي، وبالتالي وضع حلول عملية وفاعلة تعكس هذا الواقع.ولا يمكن تحليل المنظر السياسي المحلي دون النظر في هذه العناصر والاعتراف بوجودها وبأثرها في تشكيل هذا المنظر. فبغض النظر عن النوايا والمخططات السياسية لبعض القيادات والتنظيمات السياسية، فإننا يجب ألا ننكر أن شعبية "المعارضة الجديدة" تتكون في غالبها من أبناء القبائل، كما يجب أن نقر بأن الشعور "بالظلم" والتمييز الذي يعبرون عنه له سنده، ويجب عدم الاستهانة به. فأي إنسان محايد يرى الفارق بين مستوى الخدمات الرئيسية من علاج وتعليم وبلدية في المناطق الداخلية والخارجية. وهذا وإن كان له أسبابه السياسية والتاريخية إلا أنه تمييز واضح لا يمكن الاستهانة به. أضف إلى ذلك التفاوت الواضح بين نسبة التمثيل السكاني والتمثيل في المناصب القيادية بشكل عام والجيش و"الداخلية" بشكل خاص، رغم أنهم يشكلون أغلبية في المستويات الوسطى والدنيا في هذه المؤسسات، وغيرها الكثير من الأمثلة التي قد نختلف في تفسير أسبابها وجذورها إلا أنها واقع، وواقع مؤلم ومؤثر لأي إنسان يسعى إلى العدالة الاجتماعية والمساواة، ولكنه مؤلم أكثر لمن يرى في نفسه ضحية مباشرة لهذا الواقع غير الصحي.وهذا الشعور لا يختلف كثيراً لدى الكثير من الشيعة الذين يرون في أنفسهم كفاءات مهنية وأكاديمية وأكثرية سكانية ولكن مازال في رأيهم هنالك سقف زجاجي أمام ارتقائهم إلى مناصب قيادية بسبب الشك الدائم في وطنيتهم وولائهم للكويت. ويرى هؤلاء في التحالف القبلي الديني خطراً حقيقياً على بقائهم وعلى الحد الأدنى للحقوق التي يتمتعون بها، ولا يأتي هذا الخوف من فراغ إنما في واقع المجالس الأخيرة التي شكل فيها هذا التحالف أغلبية واضحة، وجاءت القرارات والتصريحات العنصرية لتغذي وتؤكد كل هذه المخاوف.أما الحضر فلربما تكون مخاوفهم الفئوية الأوضح للعيان، فهم في مرحلة المقاومة لتغيير اجتماعي فقدوا فيه الأكثرية دون وجود نظام مؤسسي واضح يشعرهم بالأمان تجاه حقوقهم ومكتسباتهم. لذا يحاولون خاسرين محاربة التغيير الطبيعي بدلاً من بناء وتقويم تلك المؤسسات الكفيلة بحماية حقوقهم وحقوق مواطني هذا الوطن كافة.نعم أغلب فئات المجتمع تعاني التمييز الطبقي، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، والإحباط من الأداء الحكومي، والخوف على حرياتها الشخصية والعامة والقلق تجاه حقوقها التي حاربت لحمايتها، ولكن كل فئة ترى الخطر في الأخرى متناسية الحكومة التي خلقت تلك التقسيمات وعززت الطرح العنصري، وتغض النظر عن التيارات السياسية الدينية التي لعبت المخاوف البدائية وأججت الطرح الطائفي.لابد من الاعتراف بالواقع وتعريته ومواجهته بصراحة ووضوح لنفهمه... فبدون فهم سنستمر في محاربة العدو الخطأ في حين يبقى العدو الحقيقي ينمو ويسيطر دون وعينا أحياناً وبمساعدتنا أحياناً أخرى.
مقالات
حضر وشيعة وبدو!
14-12-2012