أعداء الفكاهة... والحياة!
يرى فرويد أن النكتة هي آلية دفاع لمواجهة العالم الخارجي، تقوم بتحويل شعور بالضيق إلى متعة ذات طبيعة جمالية، وهذا ما يؤكد أن الفكاهة والضحك سمة إنسانية بامتياز لا تتراجع ولا تتقهقر إلا تحت سلطان الدوافع الأخلاقية والدينية، وقد وجدت الفكاهة لسوء الحظ من يعاديها على مر العصور والأزمنة, وأعلنت الحرب ضدها تحت مبررات أخلاقية ودينية، فقد تحرجت الثقافة اليونانية قبل الميلاد من الفكاهة التي تعمدت السخرية من صراع الآلهة، وفي القرن الثاني حاربت الكنيسة الفكاهة المتبدية في عروض الشارع وفي المسرح كفرجة، سواء كان هذا المسرح جاداً أو هازلاً، وحرصت على الوجه الجاد والمتجهم لرجل الدين والشارع، كما بدت الجهامة سمة أساسية في الكتب القديمة اليهودية، وقد فسر الدارسون ذلك بأن اليهود كانوا شعباً مضطهداً فانصرفوا عن الضحك والمزاح، واتفقت الدراسات التي حللت النكتة عند اليهود على أن اليهودي كان يضحك كي لا يبكي. لكن الفكاهة عادت في طروحات مثل أطروحة القديس أوغسطين في القرن الرابع الذي أعاد الاعتبار إلى المسرح، ودافع عنه سواء كان كوميدياً أو تراجيدياً واعتبره تعبيراً رفيعاً عن مشاعر الإنسان النبيلة وعن حاجاته. لم يستطع الإنسان أن يتخلى عن حاجة الفكاهة والضحك، مهما كانت أسباب الحرب ضدها، حتى في التاريخ الإسلامي كان هناك من وقف ضد الفكاهة وأغلق دوائرها بين العامة والخاصة، مثل الغزالي الذي قال "لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجترئ عليك"، وجاء من يحاول أن يفك هذا الحظر كابن الجوزي والتيفاشي. كانت الفكاهة تظهر حيناً وتختفي حيناً حتى أصبحت اليوم آلية أساسية في تربية الإنسان والترويح عنه، بل ووسيلة من وسائل التربية والتثقيف عن طريق الضحك والسخرية، حيث يضحك الناس على أخطائهم، ويتخذ النقد من الابتسامة والطرافة وسيلة للتصحيح. كتاب الفكاهة في الإسلام للباحثة ليلى العبيدي، الذي فاز بجائزة الشيخ زايد، يستحق الفوز لأنه أعاد لنا الوجه الضاحك للإسلام، وجعل من الفكاهة صورة محببة في الإسلام، فالله يضع الضحك مقابل الحياة، ويضع البكاء مقابل الموت في قوله تعالى "أنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحيا". كما أوردت الباحثة مئات الأدلة والأحاديث عن محبة الرسول (ص) للمزاح، وتفكهه مع الأطفال والنساء والأصحاب ومع الأعراب، وبصورة تعيد لنا حقيقة أن معاداة الفكاهة ليست من الإسلام، وقد ورد في المسند لابن حنبل حديث عن "أن نبي الله (ص) دخل السوق فوجد أعرابياً يعرفه في السوق فأمسكه من الخلف، وقال يمازحه من يشتري هذا العبد؟ فرد الأعرابي: إذن والله تجدني كاسداً يا رسول الله، فضحك رسول الله وقال لكنك عند الله غال". وكم من قصص كان الرسول فيها يضحك حتى تبين نواجذه. بعد أن تقرأ كتاب الفكاهة في الإسلام لا يخطر على بالك إلا أن تسأل: مادام هذا هو حال نبينا فمن المسؤول عن تجهمنا و"ثقالة دمنا" إذن؟