رغم الضباب الإعلامي الكثيف الذي يحجب الرؤية ورغم الصخب والضوضاء التي تصم الآذان عن سماع صوت العقل ورغم كثرة الأقاويل التي تضيع كلمة الحق... رغم كل ذلك اسمح لي يا سيادة الرئيس (الدكتاتور) أن أقول لك شكراً.
وقبل أن يرجمني البعض بالحجارة ويتهمني آخرون بالجنون... قبل أن يتخلى عني أصدقائي ويرحل جيراني... قبل أن تخلعني زوجتي ويتبرأ مني أبنائي... وبهدوء أقول شكراً لأنك لم تتراجع عن الإعلان الدستوري، وأتمنى ألا تفعل "رغم شدة الضغوط" لأنني وببساطة شديدة أتمنى ألا أرى عبدالمجيد محمود نائباً عاما مرة أخرى. أتمنى أن تعاد محاكمة النظام السابق ليس فقط لقتله الثوار ولكن لقتله وطناً كاملاً؛ لاغتياله مصر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فهل يمكن بعد ذلك تبرئته؟!نعم أتمنى ألا يتراجع الرئيس لأنني أتمنى ألا يستغل القضاة حصانتهم القضائية وأوشحتهم في ممارسة السياسة، فإن أرادوا ممارسة اللعبة بقوانينها فأهلاً وسهلاً أما غير ذلك فلا.أشكرك لأنك تصر على تطهير القضاء من دنس مبارك، وهو مطلب ثوار يناير والتحرير وليس ثوار نوفمبر وسيمون بوليفار الذين كنا نظنهم على الدرب سائرين فإذا هم للماضي مخلصون.يدعي "الديمقراطيون" وثوار نوفمبر"أننا نعترض على تحصين القرارات ونوافق على باقي المواد"! وهم يعلمون قبل غيرهم أن أي قرار للرئيس (مثل إقالة النائب العام) لا يمكن أن يرى النور دون تحصين كما حدث من قبل، ولكنهم يتلاعبون بالمفردات ويدغدغون مشاعر الجماهير بالحديث عن الديمقراطية والحرية واستقلالية القضاء وحالهم أشبه بحال من وصفه المثل الشعبي "سليم متكسرش ومكسور ما تاكلش وكل لما تشبع". أي المطلوب أن "نظل جائعين"!سيادة الرئيس لم أنتخبك في المرحلة الأولى، ولم أصوت لك في الثانية عن تقدير أو اقتناع، ولكن فقط لاستحالة اختيار مرشح النظام السابق، ولكن اليوم وبعد حوارك التلفزيوني الأخير أشعر بالاحترام لك فقد كنت هادئاً واثقاً حاسماً وهي صفات تجعل الكثيرين يقدرون ما تقول.كان البعض يعتقد أنك ستقدم فروض الولاء والطاعة للرئيس الزند وحوارييه، ولكنك لم تفعل فغضبوا منك. وكان آخرون يتمنون أن تستغل دكتاتوريتك وقراراتك المحصنة وتزيد الأمور تصعيداً وتصدر قرارات بحق معارضيك، ولكنك لم تفعل فغضب هؤلاء أيضاً. ولكنك بدوت هادئاً واثقاً مما لديك من معلومات (وإن لم تصل إلى درجة الأدلة كما ذكرت)، مدركا لما تملكه من أدوات دستورية وسيادية وتعرف كيف تستخدمها، بل وكنت حازما في استخدامها.يتحدثون عن الدكتاتور والفرعون والإله، وقد مضى 13 يوماً على الإعلان الدستوري، فكم قناة أقفلت؟! وكم صحيفة صودرت؟! وكم معارضا اعتقل؟! بالله عليكم هل يوجد دكتاتور يسمع سبه وقذفه والسخرية منه ليل نهار ولا يفعل شيئاً؟! من هذا الدكتاتور الطيب الذي لا يفهم الدكتاتورية ولا يمارسها؟ أي فرعون ساذج هذا الذي يسمح لرعيته بالسخرية منه ولا يحرك ساكناً؟إن هؤلاء يدعون الديمقراطية والليبرالية -وهم أبعد ما يكونون عنها- فهم لا يسمعون إلا صوتهم ولا ينصتون إلا لصراخهم ويعتقدون أنهم وحدهم من يملكون كنوز العلم ومفاتيح المعرفة، وأنهم وحدهم من له حق الوجود يتحدثون عن الأغلبية الرافضة في الشارع، فإذا نزل الطرف الآخر كذلك إلى الشارع وشاهدوا أغلبيته الكاسحة قالوا العدد مش مهم... "المهم النخبة والصفوة"!!يصفقون ويهللون لحصار مجلس الشعب ومنع رئيس الوزراء من الدخول ويرفضون ويولولون على منع قضاة الدستورية!! يوافقون ويشجعون القضاة على النزول إلى الميدان والعمل بالسياسة ويطالبون حزباً سياسياً بالابتعاد عن السياسة والاكتفاء بالدعوة في المساجد!! هل هذه هي الديمقراطية أم "شيزوفرينيا" أم ماذا؟! ** الشيزوفرينيا بمعناها اللفظي مرض نفسي شائع يصيب حوالي 1% من المواطنين وبمعناها الاستعاري الرؤية المزدوجة لنفس الشخص في ذات الحدث.
مقالات
الدكتاتور والديمقراطية والشيزوفرينيا**
07-12-2012