كي - داو ... وما أشبه الليلة بالبارحة!
الحديث عن مشروع "كي داو"، الذي كانت قد ألغته حكومة الشيخ ناصر المحمد في نهاية عام ٢٠٠٨، تحت ضربات مطرقة الضغط الإعلامي والنيابي آنذاك، عاد اليوم للظهور، وهو الأمر الذي كان متوقعاً عند كل الخبراء والمتخصصين في المسألة من ذلك الحين، وليس كما يدعي البعض كذباً هذه الأيام، بعدما ربحت شركة "داو" الأميركية حكماً قضائياً دولياً نافذاً ضد حكومة الكويت، يلزمها بدفع أكثر من ملياري دولار كتعويض عن الأضرار التي وقعت عليها من جراء إلغاء ذلك المشروع الذي كان قد تم توقيعه وإمضاؤه.وقد كنت كتبت عن هذا الموضوع بتاريخ ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٨ و١ يناير ٢٠٠٩ في عين هذه الزاوية مقالين، واليوم وبعدما اندلع الموضوع مجدداً على خلفية كسب "داو" قضيتها ضد الكويت، وبعد انفعال الساحة الإعلامية والسياسية مع الموضوع، وتتابع التبريرات التي أخذ أطراف الحكاية يسوقونها، كل لإنقاذ ماء وجهه، عدت إلى أرشيفي فوجدت المقالتين وكأنهما لاتزالان تصفان ما يجري اليوم، فما أشبه الليلة بالبارحة!
منذ ذلك الحين حتى الساعة، لايزال صوت الغوغاء هو الأعلى، ولايزال الصوت المتخصص العالم خافتاً ولا يكترث به. لايزال الجهل والتخوين والابتزاز السياسي سيد الموقف، ولاتزال الموضوعية والعقلانية تنزوي صاغرة ذليلة أمام هذا الزخم المقيت. رئيس الحكومة الحالي، وعلى هول صدمة الغرامة المهولة اجتمع بقياديي القطاع النفطي ليعرف منهم ما الحكاية وكيف يكون التصرف الأنسب، وكأنه لا يعلم أصلاً. والحق أنني لا أستبعد أن رئيس الحكومة لا يدري ما الحكاية مطلقاً، رغم أنه كان نائباً لرئيس الحكومة السابقة الذي كان قد اتخذ القرار في ذلك الوقت بإلغاء المشروع لإنقاذ رقبته من حبل الاستجواب وليس لشيء آخر. أقول هذا لأن في الليلة السابقة مباشرة لذلك القرار الارتجالي المشؤوم كان وزير النفط، المهندس محمد العليم، على شاشات التلفزيون يدافع بالوثائق والأدلة وبالموضوعية والمنطق عن جدوى المشروع، ليفاجأ في الصباح بقرار رئيسه إلغاء المشروع!الرأي الفني المتخصص من ذلك الوقت، بل ومن قبلها، حتى اليوم، لا يحترمه أحد في هذا البلاد، والغلبة المطلقة للمحسوبيات وللجهل وقلة المعرفة. والحكومة السابقة، ومثلها الحالية، فلا أرى فرقا أبداً، عاجزة جداً على هذا الصعيد، لأنه لا يهمها سوى بقاء واستمرار شخوصها مهما كانت الخسائر والتنازلات، وحكومات على هذه الشاكلة لا يمكن أن تذهب بالكويت إلا إلى الأسفل.مشروع "كي - داو"، كنت قلت عنه ومازلت أؤمن بذلك، وليس هذا من عندي ولكن بناء على ما يقوله أهل الاختصاص من البتروليين والاقتصاديين الذين هم الأحق بالاستماع، هو مشروع حيوي كان سيعطي الكويت فرصة ذهبية للهروب من اعتمادها المطلق على النفط كمصدر وحيد للدخل، عبر إدخالها كعضو أساس بل ومسيطر في عالم الصناعات الهيدروكربونية (صناعات البلاستك على سبيل المثال)، التي هي صناعة المستقبل دون منازع، ليس على مستوى المنطقة فحسب وإنما على مستوى العالم. وهذا المشروع تم قتله لجبن الحكومة السابقة وبضغط من مجموعة من النواب كان سلاحهم الترهيب، لا المنطق والحجة والمعلومة الدقيقة. وكل ما يقال الآن من تبريرات وأقاويل لا تستند إلى أدلة، إنما هي مماحكات سياسية لتبرئة ساحة من ساهموا في تضييع ذلك المشروع من يد الكويت، وأوقعوها في هاوية دفع هذه الغرامة المالية المهولة.مزيج من الجبن والترهيب والتخبط والضياع. ظلمات فوق ظلمات، حكومة وبرلماناً وإعلاماً وشارعاً، والبلد وشعبه يتخبط في هذا الظلام، ولا مغيث، ولا حول ولا قوة إلا بالله!