فجر يوم جديد: كابوس «الآنسة مامي»!
رغم تحذيرات الأصدقاء، ومحاولاتهم اليائسة، لإثنائي عن المضي في تنفيذ القرار الذي اتخذته بالذهاب إلى صالات العرض السينمائي، لأشاهد أحد الأفلام المطروحة في عيد الأضحى، إلا أنني تشبثت بقراري، ليس من باب العند والمكابرة، بل لأنني ملتزم بمسؤوليات لا أستطيع التراجع عنها كي لا أخذل من وضعوا ثقتهم فيَ، وأخيب ظنهم!أخطأت بالذهاب إلى «المول» القريب من منزلي ثاني أيام العيد، وهناك فوجئت بحشود من الصبية والمراهقين، الذين تصوروا أن أمامهم فرصة ذهبية للتحرش، الأمر الذي أدى بإدارة «المول» إلى استدعاء أفراد الأمن الخاص بها لتفريقهم أو إبعادهم عن محيط الشاشات ونجحت، لكنني عدت إلى منزلي، وشعور بالخيبة يتملكني!
بمضي اليوم الثالث من العيد وحلول اليوم الرابع والأخير، واقتراب موعد تسليم المقال، لم يكن هناك بدٌ من المحاولة من جديد، وهمس لي شيطاني بأن التواجد أمام شباك التذاكر، قبل بدء حفلة العاشرة والنصف صباحاً، سيكون الأنسب والأفضل، ورغم كراهيتي الشديدة للاستيقاظ المبكر، حيث إنني أوصف بين أصدقائي بأنني «كائن ليلي»، غالبت نفسي وتغلبت على عادتي «التاريخية» وذهبت إلى «المول»، ونجحت بالفعل في الحصول على بطاقة دخول، لأن السيدة التي جاء عليها الدور قبلي أرادت أن تبتاع أربع بطاقات بينما الموجود ثلاث فقط!كسبت الجولة الأولى، ودخلت القاعة لأشاهد فيلم «الآنسة ماما»، وفي ظني أنني اخترت «أفضل الأسوأ» بين أفلام العيد، التي تنضح حملاتها الدعائية بالرذالة والترخص والابتذال، بالإضافة إلى أن ياسمين عبد العزيز، في رأيي، تعرف كيف تختار موضوعات أفلامها، في الأعوام الأخيرة، وتملك خفة ظل تجعل منها أفضل الممثلات القادرات على تجسيد الأدوار الكوميدية، بعيداً عن «كليشيه» الممثلات «النمطيات» اللائي يبرعن في تجسيد دور «صديقة البطلة» أو{نديمة النجمة»! تغلبت على الأجواء المحيطة بي، حيث الأطفال يمرحون في قاعة العرض، وكأنهم في «الملاهي»، والعائلات تأتي على الأخضر واليابس من الطعام، وكأنها تحتفل بـ «شم النسيم»، ومع الدقائق الأولى من فيلم «الآنسة مامي» ترصد الكراهية غير المبررة من الحسناء «ناني الحلواني» (ياسمين عبد العزيز) للرجال، بحجة أن والدها خان أمها، التي تعترف بأنها كانت «دميمة»، وتبلغ الوقاحة أشدها بقولها إن «الكلاب أكثر وفاءً من الرجال»، وأنها ترفض أية هيمنة أو سيطرة من جانبهم، الرجال وليس الكلاب، وأفكار كثيرة قد تغفرها في سياق النظرة النسائية التي تتهم مجتمعاتنا العربية بأنها «مجتمعات ذكورية». لكن ما لا يستطيع عاقل أن يغفره للفيلم، الذي كتبه المخرج المسرحي خالد جلال، أن يأخذنا في «كابوس» سخيف وطويل وممل وقليل الحيلة مع البطلة، التي راحت في غفوة بالطائرة التي تقلها إلى الصين في رحلة عمل، وإذ بها تجد نفسها متزوجة من الشاب الوسيم (حسن الرداد) الذي كان يُطاردها أيام كراهيتها للرجال وأم لثلاثة أطفال والرابع في الطريق، وهي التي لم تتصور نفسها يوماً زوجة أو أماً أو «حاملاً» مُنهكة الجسد وشاحبة الجمال ومترهلة القوام!حوالى ساعة ونصف الساعة ونحن نعيش أحداث «الكابوس»، الذي يعلم كل طفل في القاعة بأن البطلة ستستيقظ منه في الطائرة أو في أي مكان آخر، لتعيش حياتها الأولى في كسر لكل قواعد الدراما، التي تولي اعتباراً كبيراً لإفساح مجال للإثارة وإدخار المفاجأة، والتعتيم على الأحداث، طمعاً في دفع المشاهد إلى عيش حالة من الترقب، وانتظار المجهول! هذا «المجهول الجميل» الذي يُعد أفضل ما تقدمه السينما لجمهورها كونه يُنشط ملكة الخيال لديه لا وجود له في فيلم «الآنسة مامي»، التي تستيقظ فعلاً، لكن في فيلتها، ونكتشف أنها لم تستقل الطائرة، لكنها تعلمت الكثير من «الكابوس»، الذي تحول إلى «حلم وردي» بالنسبة إليها، إذ تغيرت قناعاتها فجأة وأصبحت تلهث وراء «الرجل» و{البيت» والأطفال، ولا مانع لديها من أن تُضحي بعملها، وتتفرغ لتربية أطفالها ورعاية زوجها كأي امرأة تنتمي إلى «عصر الحرملك»، حسب نصيحة «حماها»، وحسبما يقول الدين (!) الذي زج به المؤلف من دون مناسبة أو رغبة منه في تملق التيار المتأسلم السائد في البلاد، لتكتمل الرؤية الرجعية للفيلم، الذي سخر أصحابه من النقاد الذين قارنوا بينه وبين التجربة السابقة لياسمين عبد العزيز في فيلم «الدادة دودي»، بينما الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن «الدادة دودي» أكثر انفتاحاً، وتحرراً، وسحراً، وجمالاً وشقاوة من «الآنسة مامي»، التي تنتمي، في ما يبدو، إلى طيف غربي في فيلم أجنبي شاهده خالد جلال، واقتبس منه الفكرة، لكنه فشل في فهمه أو رسم ملامح شخصياته، فما كان منه، والمخرج وائل إحسان سوى أن قدما لنا هذا «المسخ»!