في الخامس عشر من الشهر الماضي كتبت مقالاً بعنوان "استغناء أميركا عن نفطنا والفراغ الأمني"، على أثر تقرير بالغ الأهمية لوكالة الطاقة الدولية صدر قبل ثلاثة أيام من نشر المقال، يفيد بقرب تجاوز الإنتاج النفطي للولايات المتحدة الأميركية إنتاج المملكة العربية السعودية، وتحولها إلى تصدير النفط، واقترابها كذلك من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وقرب استغناء أميركا أيضاً عن نفطنا في عام 2017 -وهو تاريخ قريب جداً- وبالتأكيد فإن ذلك سينعكس بتراجع وجود واشنطن في المنطقة، وبداية نشوء فراغ أمني في الخليج العربي سيكون المؤهلون لملئه العملاقين الصيني والهندي، الأقرب في علاقتيهما إلى طهران.

Ad

الرئيس الأميركي باراك أوباما أكد استنتاجي ذلك في مقابلة مع مجلة التايم الأميركية، في عددها هذا الأسبوع، بعد أن اختارته رجل عام 2012، إذ قال "إن الطفرة المفاجئة في إنتاج بلاده من النفط والغاز الطبيعي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تحول في العلاقة مع الشرق الأوسط، إذ ستصبح الولايات المتحدة مصدراً صافياً للطاقة"... والواضح من كلامه أن أميركا ستستغني عن النفط العربي قريباً، بينما الضمني منه ما قاله في بقية لقائه مع المجلة، خاصة الفقرة التي يقول فيها: "وهذا على ما أعتقد يتيح لنا حرية حركة أكبر للتحدث مع الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نود أن نراه"، وهنا يلمح إلى انسحاب أميركا تدريجياً من المنطقة، لأن الحرية المطلقة في الحركة تعني أنه لن يكون تحت تأثير مصالح قومية أميركية ملحة له في الخليج، أو جنود أمريكان من واجباته حمايتهم أو قطع بحرية وبرية ملزم بتوفير مرافئ وقواعد لها لدى دول المنطقة بنهاية العقد الحالي، الذي ستنتهي خلاله معظم الاتفاقات الأميركية العسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي أشك نتيجة لذلك أن تسعى واشنطن إلى تجديدها بصيغها الحالية.

كلام أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية لمجلة التايم عن النفط العربي ودول المنطقة لا يطلق بخفة أو كزلة لسان أو أمنيات من سيد واشنطن، بل هو كلام جاد نتيجة عمل دؤوب لجهات أميركية مختلفة سياسياً وعلمياً واقتصادياً وصناعياً، وخطط وضعت منذ حرب أكتوبر 1973، كان مهندسها الأول وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، للاستغناء عن النفط العربي، وبدأت تثمر نتائجها، بينما نحن –الخليجيين بصفة خاصة- في غفلة عما سيحدث نتيجة الفراغ الأمني الأميركي في منطقة الخليج العربي.

في مقالي المشار إليه في بداية المقال طالبت بأن يتداعى مفكرونا والمتخصصون لمناقشة هذا التطور الأميركي الخطير، وإصدار تقارير سياسية ونفطية حول مدى دقته وإمكانية تحقيقه، وإمكانية إطلاق حلقات نقاشية حول تطورات استغناء أميركا عن نفط الخليج، وأثره علينا، من أمثال الأساتذة د. عبدالرضا أسيري وسامي الفرج ومحمد الحرمي وحجاج بوخضور، وغيرهم من أصحاب الاختصاص، وسماع رأيهم بصفة عاجلة في تلك التطورات من الناحيتين السياسية والنفطية التقنية، كما راسلت عبر "تويتر" مستشار سفارة المملكة العربية السعودية السابق في واشنطن والصحافي السعودي المخضرم جمال خاشقجي حول الموضوع نفسه، بسبب اطلاعه الواسع على الشؤون الأميركية، لكن لم يتناوله في مقالاته ونشاطه الإعلامي المتعدد.

المهم الآن أن الوقت أصبح ضيقاً جداً، وعلينا سرعة التحرك لنجد الحلول والبدائل بدلاً من تركيزنا المفرط كخليجيين على الأحداث العربية في مصر وسورية ولبنان، رغم أهميتها وتأثيرها علينا، لكن هناك مسؤوليات وواجبات خاصة بأوطاننا يجب علينا أن نقوم بها على وجه السرعة، حتى لا نقع في أوضاع تهدد استقرارنا وأمننا، خاصة مع تجاهل الجهات الأكاديمية والإعلامية حتى الرسمية الخليجية لتلك التقارير، وإمكانية أن تستغني أميركا والغرب عن نفطنا، وتعتبرها قصة خيالية، مع أنها قصة واقعية سنفاجأ بتفاصيلها وانعكاس آثارها علينا قريباً جداً، وقد تتحول إلى رواية مرعبة لنا في دول مجلس التعاون الخليجي.