الثورة انطلقت ببراءة الأطفال وعفوية التوجه لاسترداد الكرامة والحرية المفقودتين، وانتشرت كالنار في الهشيم بسبب حالة الانحباس المزمنة، مما أفزع النظام حيث لجأ إلى إجهاضها بكل الطرق الجراحية حتى لا ينكسر حاجز الخوف باعتباره مصدر شرعيته وسر قوته، وقادت نفسها بنفسها لأن الانتظار كان سيفقدها عذريتها وشموخها.
المعارضة في ظل الاستبداد «الأسدي» كانت أشبه «بخلية استشهادية» لا أمل لها بالفعل إلا من خلال فقدان الأمل بالحياة، ومضت في طريقها مكرهة على دفع هذا الثمن الباهظ لعدم توافر البديل، فقد نالت من الاضطهاد ما نالها واستمرت تصارع الحياة من تحت الأرض رغم التآكل، ومن غرف الإنعاش التي توفرها سرية العمل والتي نالت من وجودها الكثير، وأفقدتها الكوادر والتواصل والمبادرة والتأثير والتطوير.والأهم من هذا وذاك هو تدمير إرادتها من خلال ليل الأقبية الطويل أو من خلال اغتراب قسري يأكل النفس والانتماء، وفي الحالتين كان المستبد يتعمد القتل مع ترهيب من كان قابلاً للانجرار والتأقلم مع الجسد المعارض.ومرت الحياة السياسية، خلال العقود الماضية لا تعرف سوى اللون القاتم؛ مما أصاب المعارضة بقصر النظر وأحياناً بعمى الألوان، لذلك جاءت مشاركتها بالثورة السلمية العفوية بعيدة عن مستوى إيقاعها، بل لا يجاري زخمها مما أدخل الثورة في مخاض عسير يصعب معها تحديد زمن الولادة والميلاد.وحدة المعارضة ضرورة ثورية- أي وحدة البرنامج الوطني- لأنها؛ أولاً، تؤكد الإجماع الوطني من خلال المشاركة الواسعة لأطياف الشعب، وهذا الركن الأهم للثورة. وثانياً، سد الثغرات في وجه النظام والقوى الداعمة له؛ لوقف اللعب على وتر الانقسام ومحاولة النيل منها، وإضعاف موقفها داخلياً وخارجياً. وثالثاً، منحها قوة الموقف أمام المجتمع الدولي وغلق الباب على حججه بضعفها وغياب البديل. وأخيراً، منح المواطن الثقة بقوة البديل وجاهزيته لسد فراغ السلطة بعد سقوط النظام.مؤتمر القاهرة الأخير للمعارضة ربما هو الأكثر جدية والأكثر إحساساً بالمسؤولية، فلأول مرة يعلن المؤتمر صياغة وثيقة العهد الوطني، التي تم الاتفاق على أكثر بنودها رغم الاختلافات.وحسب القراءة الأولية لها، فهي تؤسس لدولة مدنية تستوعب جميع مكونات المجتمع تعلو فيها قيمة الإنسان وحقوقه، ناهيك عن الاتفاقات الأخرى بخصوص المرحلة الحالية وما بعد سقوط النظام رغم انسحاب الجانب الكردي الذي ارتفعت مطالبه لما فوق سقف الوطن، حسب الأخبار الواردة.الجيش الوطني الحر حالة وطنية وأخلاقية عالية المستوى، فبعد سقوط المؤسسة العسكرية في أتون الإجرام والطائفية وخروجها المذل من الحسابات الوطنية، جاءت ظاهرة الجيش الحر لتعيد الأمل في أبطال القوات المسلحة وفي إعادة بناء هذه المؤسسة على أسس وطنية بحتة بعيداً عن السياسة والسلطة، فيكفي ما عاناه الوطن طيلة العقود الماضية من حكم العسكر حتى أوصلونا إلى هذه الحال، لكن الولادة الآتية يجب أن تكون مدنية الطبع والطابع، وأن تنحصر مهمة الجيش الوطني في الدفاع عن الوطن والذود عن أرضه لا غير، وهذا ما يجب أن يدركه الجيش الوطني الحر.المرحلة الثورية الحالية مرحلة حساسة للغاية لأنها تثور على عتاة الإجرام، وهذا يتطلب درجة عاليه من التحمل وكظم الغيظ لأن ملامح الحسم غير واضحة، والطريق غير معبد، ولكن الغلبة للشعب مهما طغى المستبد.
مقالات
مؤتمر القاهرة... اختلاف وتوافق
07-07-2012