رومني ضد أوباما

نشر في 11-05-2012
آخر تحديث 11-05-2012 | 00:01
لأن المستشارين المتخصصين قادرون على تمويه الشخصية الحقيقية للمرشح الرئاسي أمام العامة، فإن السيرة المتكاملة للمرشح طوال حياته هي أفضل معيار للحكم على مدى ثقتنا بطباع الرئيس القادم وصلاحيته للمنصب، وكيف سيحكم البلاد.
 بروجيكت سنديكيت رغم أن الانتخابات الرئاسية التمهيدية في الولايات المتحدة الأميركية لم تنته بعد، فإنه من شبه المؤكد أن يكون ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري لمواجهة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في نوفمبر.

كوّن رومني، عندما كان حاكماً لولاية ماسوشوسيتس، سمعة طيبة كشخصية محافظة مؤهلة ومعتدلة، وهي صفات كانت مناسبة له لجذب الناخبين في الولاية، لكن الجناح اليميني المتشدد داخل الحزب الجمهوري هيمن على الانتخابات التمهيدية، وبذل رومني جهوداً حثيثة من أجل التهرب من مواقفه "المعتدلة"، وذلك عن طريق تبني مواقف محافظة جداً. أما الآن بعد أن أصبح المرشح المفترض للحزب فسيكون لزاماً عليه أن يعود مجدداً إلى الوسط السياسي الذي ينتمي إليه معظم الناخبين.

إذن من هو ميت رومني الحقيقي؟ وكيف يمكن للناخبين أن يحكموا على هذين المرشحين؟

إن لأوباما سجلاً حافلاً، وإن كان قد خيب آمال العديد ممن صوتوا له في عام 2008. بالطبع يجادل مناصروه بأن أوباما كان يتعين عليه أن يتعامل مع حربين مستمرتين وأسوأ ركود منذ الثلاثينيات، كما أنه بعد الانتخابات النصفية سنة 2010 قام الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون والمعادي له بإعاقة المبادرات التي قدمها.

أما رومني فسيركز بدوره على الوعود التي قدمها أوباما منذ زمن طويل، ولكنه لم يستطع تحقيقها حتى الآن، بينما سيلجأ أوباما إلى أن يصف رومني بأنه شخص متقلب يغير مواقفه حسب مقتضيات اللحظة وجمهور المتلقين، وفي واقع الأمر فإن صعوبة توقع أداء الفائز بالانتخابات لدى توليه الرئاسة ليس أمراً جديداً.

لقد ردد جورج بوش الابن أثناء حملته الانتخابية سنة 2000 وعده الشهير بتبنيه "نهجاً محافظاً إنسانياً" وسياسة خارجية معتدلة، لكنه عندما وصل إلى الحكم أدار الأمور بشكل مختلف تماماً مثلما فعل بقراره غزو العراق، كما أن وودرو ويلسون وليندون جونسون بنيا حملتيهما الانتخابيتين على أساس وعود بالسلام، لكن كل منهما سحب أميركا إلى الحرب بعد فترة وجيزة من انتخابه.

هل تعد مثل هذه التحولات في التوجهات بعد الانتخابات بمنزلة مهزلة للديمقراطية؟ كيف يمكن للناخبين أن يتوصلوا إلى أحكام ذكية بينما تدار الحملات الانتخابية بشكل بارع ومدروس؟

يقول منظرو علم القيادة إن علينا أن نولي اهتماماً أقل بوعود القادة المتعلقة بالسياسات، وأن نولي اهتماماً أكبر بذكائهم العاطفي، أي قدراتهم الذاتية ومقدرتهم على التواصل مع الآخرين، وعلى عكس النظرية التي تقول إن العواطف تتعارض مع التفكير السليم، فإن القدرة على فهم العواطف وتنظيمها يمكن أن ينتج عنها تفكير أكثر فعالية.

لقد ذكر قاض بالمحكمة العليا يدعى أوليفر ويندل هولمز كلمته الشهيرة بعد اجتماع مع فرانكلين د روزفلت: "ذكاء من الدرجة الثانية ولكن طباع من الطراز الأول". إن معظم المؤرخين يتفقون على أن نجاح روزفلت كقائد اعتمد على طبيعته الطيبة أكثر من مهاراته التحليلية. إن الطاقة والتفاؤل اللذين بثهما روزفلت في أول مئة يوم من حكمه لم يعكسا مقترحات ملموسة للسياسات أثناء حملته الانتخابية.

لقد بذل علماء النفس جهوداً كبيرة من أجل التوصل إلى مفهوم الذكاء وكيفية تقييمه لأكثر من قرن. تقيس اختبارات تحديد الذكاء العامة (IQ) أبعاد الذكاء وجوانبه مثل البراعة اللفظية والمكانية، لكن درجات اختبار تحديد الذكاء تتوقع فقط ما نسبته عشرة إلى عشرين في المئة من فرص النجاح في الحياة. وفيما يختلف الخبراء بشأن ما يشكله الذكاء العاطفي كنسبة من الثمانين في المئة المتبقية، فإنهم يتفقون بصفة عامة على أن الذكاء العاطفي هو مهارة مهمة يمكن تعلمها واكتسابها مع تقدم العمر والخبرة، وأن الأفراد يمتلكونها بدرجات مختلفة.

يبذل القادة جهوداً كبيرة من أجل الاهتمام بصورتهم لدى الناس والتي تحتاج إلى نفس سمات الانضباط والمهارة من ناحية الذكاء العاطفي التي عادة ما يمتلكها الممثلون الناجحون. إن خبرة رونالد ريغان في هوليود ساعدته في هذا الخصوص، كما أن روزفلت كان ماهراً جداً في إدارة صورته عند الناس، ورغم ألمه وصعوبة تحريك أقدامه التي أصابها العجز بسبب شلل الأطفال الذي كان يعانيه، فقد تمكن من أن يعكس صورة شخص مرح، كما تجنب تصويره على الكرسي المتحرك.

القادة عادة ما يرسلون إشارات وعلامات للآخرين سواء كانوا يدركون أم لا، والذكاء العاطفي يعني إدراك مثل هذه الإشارات والتحكم بها، كما أن الانضباط الذاتي يمنع الاحتياجات النفسية الشخصية من تشويه السياسات. إذا كان الذكاء العاطفي غير حقيقي، فإن من المرجح أن يكتشف الآخرون ذلك على المدى الطويل.

لقد كان ريتشارد نيكسون على سبيل المثال قوياً في ما يتعلق بمهارات الإدراك والحكم على الأمور، لكنه كان ضعيفاً في جوانب الذكاء العاطفي. لقد كان قادراً على وضع استراتيجية فعالة تتعلق بالسياسة الخارجية، لكنه كان أقل قدرة على التحكم في جوانب عدم الاستقرار في شخصيته التي أدت في النهاية إلى سقوطه، وهو عيب ظهر فقط مع مرور الوقت، فلم يعرف الناس عن قائمته الشهيرة "قائمة الأعداء" إلا بعد مرور فترة طويلة على توليه الرئاسة.

لقد أظهر بوش ذكاءً عاطفياً في منتصف حياته، وذلك بالتغلب على مشاكله مع الكحول وإظهار الشجاعة والمثابرة، وذلك بالاحتفاظ بسياسات لا تحظى بالشعبية، لكن في لحظة ما أصبحت المثابرة عنادا عاطفيا، فبوش مثله في ذلك مثل ويلسون كان عنده التزام متعنت بنظرته، وهذا التعنت أثر سلباً في قدرته على الحكم والتعديل. ربما تكون المرونة التي أظهرها أوباما ورومني ليست خاصية سيئة بالنسبة للرؤساء.

لاشك أن الصعوبات والمشاق التي تكتنف الحملات الانتخابية المطولة تعطي للناخبين بعض الأدلة المتعلقة بالقدرة على التحمل والانضباط الذاتي. كل مرشح جمهوري كان في طليعة المرشحين في مرحلة ما من هذا السباق الانتخابي، بيد أن مشاق الانتخابات التمهيدية وصعوباتها كشفت الأخطاء لدى بعضهم مثل حاكم تكساس ريك بيري الذي بدا جذاباً في بداية الحملة.

أما الآن ونحن بصدد بدء الانتخابات العامة، فكيف يمكن لرومني على وجه الخصوص، لدى تعاطيه مع برنامج حزبه، أن يخبرنا بمدى استقلاليته وقدراته وتعيينات الوزراء الذين سيستعين بهم مستقبلاً؟

لكن العامل الأكثر أهمية بالنسبة للناخبين هو التحقق من السيرة الذاتية للمرشح، ولا أعني هنا الكتب والإعلانات التلفزيونية الجذابة المعدة لحملاتهم الانتخابية. ولأن المستشارين المتخصصين قادرون على تمويه الشخصية الحقيقية للمرشح أمام العامة، فإن السيرة المتكاملة للمرشح طوال حياته هي أفضل معيار للحكم على مدى ثقتنا بطباع الرئيس القادم وصلاحيته للمنصب وكيف سيحكم البلاد.

لقد أصبح الناخبون أكثر تطوراً، وقبل أي شيء يتمتعون هم أنفسهم بالذكاء العاطفي إلى الحد الذي يمكنهم من تحمل ما تأتي به المفاجآت. وعندما يخيب ظنهم في مرشحهم- ومؤكد أن هذا قد يحدث بغض النظر عن نتيجة الانتخابات- فإنهم يضعون في اعتبارهم أن الديمقراطية رغم أنها أسوأ نظام، فإنها تظل الأفضل بين جميع النظم التي جربت في العالم من قبل.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye ، أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟"، ومؤخرا تولى الرئاسة المشتركة لمناقشات مجموعة أسبن الاستراتيجية لتنظيم الدولة الإسلامية والتطرف في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top