"أبو بلاش كثّرْ مِنْه"، فمادام الأمر كلاماً في كلام فقط فإنه بإمكان إيران، حسبما قال السفير الإيراني في عمان د. مصطفى مصلح زاده، أن ترفع مستوى تبرعها إلى الأردن من النفط والطاقة بملايين البراميل في الشهر الواحد أو الأسبوع الواحد أو اليوم الواحد، وليس لمدة ثلاثين عاماً، بل إلى الأبد، طالما أن برميلاً واحداً من هذه البراميل لن يصل إلى هذا البلد الذي "إخوانه" الأقربون لديهم فائض من هذه البراميل بإمكانه أن يحول الأراضي الإيرانية إلى بركة زيتية كبيرة.

Ad

المثل يقول: "إن من يكبِّر حجره لا يضرب"، وحقيقة إن الأردنيين لا يمكن أن يعتبوا على إيران لبُعدها أولاً، وللاختلاف مع كل سياساتها ثانياً، ولتدخلها السافر في شؤون عربية كثيرة ثالثاً، وإنما يتوجهون بما هو أكثر من العتب إلى إخوانهم في الخليج العربي، الذي سنبقى نقول إنه عربي، وسنبقى نتصرف على هذا الأساس، فهم الأَولى بكرم حاتمي فعليّ، وهم يدركون ما يمكن أن يترتب على هذه الضائقة التي يمر بها هذا البلد العربي من إجراءات، وربما أيضاً من مواقف سياسية.

نحن نعرف أن إيران تعيش ضائقة نفطية تقترب من الضائقة التي يعيشها الأردن، ونعرف أن النفط الإيراني حتى بالنسبة إلى أصدقاء إيران مسيَّس حتى النخاع الشوكي، ولهذا فإننا نعرف تمام المعرفة أن هذا التبرع الكلامي من قبيل مناكفة "الأشقاء" الخليجيين، ومن قبيل تحريض الأردنيين ضد هؤلاء الأشقاء، فهذه المناورة مكشوفة، والأردنيون قد يعتبون على أشقائهم، فالعتب ينظف القلوب، لكنهم لا يمكن أن يقعوا في براثن هذه اللعبة الإيرانية.

قال علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه، "عَجِبْتُ لامرئٍ لا يجد قوت يومه لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه"، وحقيقة إن في قلوب كل الأردنيين لهذا الصحابي الجليل، ابن عم الرسول وزوج "بضعته" فاطمة الزهراء، احتراماً خاصاً وحباً كبيراً، مثلهم مثل سائر المسلمين في كل أرجاء المعمورة... لكنهم رغم هذا فإنهم سيبقون يعضون على الجرح وسيصبرون على وجع الحاجة والمَسْغبة، وستبقى سيوفهم إلى جانب أشقائهم، ولا يمكن مهما حصل أن يستبدلوا العَمَّة بالخالة!

لقد استطاعت إيران أن تتسرب إلى هذه المنطقة، وأن تقيم في بعض دولها رؤوس جسور متقدمة لمشروعها الشرق أوسطي، لأن حتى الطبيعة السياسية تكره الفراغ، ولأن الجوع كافر كما يقال، ولأن التخلي عن الفلسطينيين دفع بعضهم إلى القفز من فوق رؤوس العرب، والذهاب إلى طهران لتقديم الطاعة والولاء للولي الفقيه، ولعل الكل شاهد وسمع خالد مشعل وهو يُسبِّح بحمد طهران خلال مؤتمره الصحافي الأخير في القاهرة، الذي تقاسمه مع رمضان شلَّح، الذي بات يعتبر على الصعيد الفلسطيني سرَّ أسرار الدولة الخمينية. في كل الأحوال لا يمكن إلا أن نقول لإيران، ونحن نعرف أبعاد وحقائق تبرعها السَّخي: الشكر كل الشكر لك أيتها الدولة العزيزة، والأهم من هذا التبرع الكلامي، الذي جاء وفقاً للمثل القديم القائل: "ليس حُباً بعلي وإنما كرهاً بمعاوية"، أن تكفوا شرَّكم عنا وعن إخواننا في العديد من الدول العربية، وأن تتوقفوا عن تمزيق الإسلام والمسلمين، وعن افتعال كل هذه المشاكل والأزمات في منطقة الخليج العربي وفي اليمن وفي العراق وفي سورية ولبنان... وأيضاً في السودان وفي غزة والضفة الغربية!