-1- بعيداً عن الانتخابات الرئاسية المصرية، حيث البركان المصري الثوري، ما زال يُلقي بحممه الملتهبة، ولم يهمد بعد، لتبدأ زراعة الأرض الخصبة، التي عادة ما يتركها من ورائه، نلاحظ أنه منذ الخمسينيات، وعى العرب أهمية أميركا في قرار السياسة العالمية، خصوصاً بعد حرب السويس 1956، عندما أنذر الرئيس آيزنهاور دول العدوان الثلاثي (بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل)، بوقف العدوان على مصر، وسحب جيوشها من المنطقة، ومنذ ذلك التاريخ وإلى الآن، والعرب قيادة وشعوباً متعلقين بنتائج الانتخابات الأميركية، ومن سيدخل البيت الأبيض رئيساً، بعد الرابع من نوفمبر، كل أربعة أعوام... وهل سيكون صديقاً للعرب أم عدواً؟ وهل سيحل قضايا ومشاكل العرب التي تتضخم عاماً بعد عام؟ وهل سيكون الرئيس الأميركي الجديد "متعاطفاً" مع المشاكل والقضايا العربية، أم لا؟ ونتخيل أن حل مشاكلنا في كل فترة رئاسية، متوقفٌ على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
-2- لقد أثبت أكثر من نصف قرن من الزمان، ومن تداول السلطة، بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ألا حزب سياسياً من هذين الحزبين، قدم للعرب ولمشاكلهم مساعدة سياسية، أو دعماً سياسياً على حساب مصالحه، واستراتيجيته في العالم العربي. والعرب- بما أنهم في هذا الزمان- أمة عاطفية جداً، مازالت تنظر إلى السياسة بمنظار أخلاقي، وعاطفي، و"أخويّ" خالص، وليس بمنظار المصالح، أو بمنظار ألا عداوة في السياسة، وإنما هناك مصالح أو عدم مصالح، مهما كثُرت المغريات، وتمتَّنت الصداقات، وتعمَّقت العلاقات، ولكن العرب يتعاملون مع أميركا والسياسة الأميركية مثلما يتعامل العرب مع بعضهم بعضا في حل خلافاتهم، ومصالحاتهم الوطنية، فيعتقدون أن إقامة الولائم، و"بوس اللحى"، وتقديم الهدايا الثمينة، وإقامة صلات الصداقة، وتبادل التحيات والتمنيات في المناسبات الدينية والوطنية، وبأن كل هذا، يمكن أن يحل المشاكل، ويساعد على تحسين الأحوال السيئة. فأثناء الحرب الباردة، ظنَّت بعض الدول العربية، التي لاقت دعماً ومساندة أميركية، أن هذا الدعم وهذه المساعدة من أجل عيون العرب "السوداء" الكحيلة. في حين كان هذا الدعم وهذه المساعدة في القاموس السياسي الأميركي، تعني إقامة توازن القوى بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق، في الشرق الأوسط في ذلك الوقت. ففي الوقت الذي دعم فيه الاتحاد السوفياتي السابق، دول الدكتاتوريات العسكرية (مصر، سورية، العراق، الجزائر، ليبيا، اليمن الجنوبي) وتحالف معها، ومدها بالسلاح والمستشارين العسكريين، وأقام فيها مرافق تنموية (السد العالي مثالاً)، كانت أميركا تدعم الجانب العربي الآخر الذي عُرف بدول الاعتدال (دول الخليج العربي، الأردن، تونس، المغرب)، وتقيم في بعضها قواعد عسكرية، وتمنح الفقراء فيها مساعدات مالية، والضعفاء تقنيات بوليسية.-3- إذن، فالعرب منذ أكثر من نصف قرن، ينتظرون من الخارج العون والمساعدة، لحل القضية الفلسطينية مثلاً. ففي حقبة سابقة، كانوا ينتظرون الحل من الاتحاد السوفياتي السابق، وفي حقبة أخرى كانوا ينتظرون الحل من أميركا. وبعد انتهاء الحرب الباردة، أصبحت أميركا هي الرجاء الوحيد للعرب في حل المشكلة الفلسطينية، وهي الرجاء الفاسد، وغير المُرتجى، نظراً للحلف الاستراتيجي المتين بين أميركا وإسرائيل، منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي.-4- وكان الاتحاد السوفياتي السابق صديقاً مخلصاً للعرب، رغم أنه كان عاملاً مهماً، في تثبيت أقدام إسرائيل في اعترافه المبكر بالدولة الإسرائيلية 1948، وباستعماله حق الفيتو في كثير من القرارات التي تُدين إسرائيل في مجلس الأمن، وفي سماحه لموجات المهاجرين اليهود بالهجرة إلى إسرائيل. وتقدم الاتحاد السوفياتي مع أميركا عام 1969 بمبادرة يكون للاجئين الفلسطينيين الخيار بين العودة بموجب كوتا (نظام حصص) سنوية يتم الاتفاق عليها، أو التوطين خارج إسرائيل.-5- وظلت أميركا صديقة مخلصة للعرب "المعتدلين"، رغم أنها ساهمت في إقامة ودعم إسرائيل، أكثر مما فعل الاتحاد السوفياتي، فقدمت لإسرائيل الأموال الطائلة والأسلحة الحديثة، والدعم السياسي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسمحت للوبي الصهيوني بالعمل الحر داخل أميركا. وقد ساعد أميركا على اتخاذ كل هذه الخطوات موقف العرب المتأرجح والمختلف والضعيف من القضية الفلسطينية، وموقف الفلسطينيين أنفسهم المختلف والضعيف من هذه القضية حتى الآن، حيث لم تتم "المصالحة المنشودة" بين "فتح" و"حماس"، حتى الآن. وإلى يومنا هذا، والعرب غير مُجمعين على موقف موحد من القضية الفلسطينية. ومما يزيد الطين "بلَّة"، أن الفلسطينيين أنفسهم مختلفون فيما بينهم، فحركة "فتح" تلتزم بالسلام مع إسرائيل، وبالمفاوضات معها، وتعترف بإسرائيل، وبكل المعاهدات والمواثيق معها. كما تعتبر أن الحل السياسي هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، كما أعلن محمود عباس مرات عدة، وبأن لأميركا دوراً مهماً، في حين تلتزم حركة "حماس"، بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل، كما تلتزم بتحرير فلسطين، التي تعتبرها "وقفاً إسلامياً" من البحر إلى النهر، ولا تتخلى عن المقاومة والكفاح المسلح، وتتحالف مع دول معادية للغرب ولأميركا كسورية، وإيران. ولا تتوانى بين الحين والآخر، هي والميليشيات الفلسطينية الأخرى على قضِّ المضاجع الأمنية الإسرائيلية بالصواريخ والعمليات الانتحارية، التي تطلقها من غزة، إضافة إلى ذلك، فقد اشتبكت مع حركة "فتح" في غزة وخارجها اشتباكاً مسلحاً دامياً، منذ 2006، ضاعت فيه دماء فلسطينية بريئة.-6- فكيف يمكن أن تساهم أي إدارة أميركية قادمة إلى "البيت الأبيض"، في إقامة الدولة الفلسطينية، وهذه هي حال الفلسطينيين من الانقسام، والصراع، والاختلاف، وعدم الإجماع على كلمة، وموقف واحد؟ في حين أن الإدارات الأميركية كافة منذ نصف قرن ويزيد، وقفت من إسرائيل موقفاً واحداً داعماً ومسانداً، فلم تكن سياسة أميركا تجاه إسرائيل موقفاً مزاجياً عصابياً مختلفاً من رئيس لآخر، بقدر ما كان الموقف الأميركي، تحكمه مصالح أميركا العليا، وتحكمه الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.-7- وفيما يتعلق بمشاكل العرب الأخرى، كالمشكلة التعليمية ومناهج التعليم الديني خصوصاً، التي برزت واشتدت بعد أحداث كارثة 11 سبتمبر 2001، فإن العائق الديني الفقهي (إسلام الفقهاء)- الذي سبق للباحث نادر حمامي أن كتب كتاباً بهذا العنوان نشرته "رابطة العقلانيين العرب" في باريس- يقف عائقاً كبيراً في كثير من الدول العربية لتصحيح المناهج، وإلغاء التشدد والتطرف منها، مما ساعد في كثير من الأحيان على زيادة انتشار الإرهاب في الماضي. فقد اعتبر هؤلاء الفقهاء أن أعداء العرب من غير المسلمين الذين كانوا قبل 14 قرناً، هم الأعداء أنفسهم الآن، دون محاولة تفسير التاريخ من داخله، وليس من فوقه. دعونا نتغيّر أولاً، لكي تتغير السياسة الأميركية نحونا، دون انتظار لأي انتخابات رئاسية قادمة هذه السنة، في الرابع من نوفمبر 2012، أو بعد فترات أخرى.* كاتب أردني
مقالات
العرب في الانتخابات الرئاسية الأميركية
20-06-2012