ديما علي: طاقة لاإرادية تدفع الفنان نحو تناول الريشة
تبحث عن الجمال الداخلي وعن الحقيقة، غالباً ما تخالجها مشاعر من نوع خاص، تجسد من خلالها رموزاً وعناصر آسرة، هي في انحياز دائم إلى الطبيعة المتمثلة بالإنسان والحيوان والنبات، وتجدها في تيه من نوع خاص يفرضه زخم الألوان وتضارب الأحاسيس... «الجريدة» التقت الفنانة التشكيلية ديما علي وأجرت معها هذا الحوار حول بداياتها وطموحاتها الفنية.
حدثينا عن بداياتك التشكيلية؟
في مراحل مبكرة من الطفولة كنت مميزة بما أرسم من لوحات، وغالباً ما كانت لوحاتي تنال إعجاب الجميع، فضلاً عن اهتمام والدي وتعلقه بالرسم فقد كان هاوياً لفن الرسم، ووجدت نفسي طواعية من أشد المتعلقين في هذا المجال في محيط الأسرة رغم عدم خوضه أكاديمياً، فقد كان الرسم وما زال المتنفس الوحيد لي.إلى أي مدرسة تميلين؟إلى المدرسة التجريدية المائلة إلى السريالية، وذلك يعود من وجهة نظري الخاصة إلى تطور قدرات الإنسان العقلية، وتنوع أفكاره فقد بدأ هذا النوع من الفن تحديداً، يأخذ منحى جديداً ومعاصراً، ليصبح اليوم أكثر مرونة وإبداعاً، إذ بات من السهل التعبير من خلاله عن الأفكار والأحاسيس، باستخدام الألوان والرموز فحسب، والتي غالباً ما تكون كفيلة بتوصيل كم من المشاعر والأفكار الكامنة داخل صدر الفنان ذاته، فهو الفن الأكبر والأعمق والأكثر تعقيداً بين الفنون الأخرى.كيف تجسدين رؤيتك التشكيلية إلى واقع؟أؤمن دائماً بأن طاقة لاإرادية تعتري الفنان، وهي من يحثه على تناول الريشة والألوان ليرسم لاإرادياً، فهي من يحرضه للتجاوب مع نداء من نوع خاص نابع منه، يترجمه بدوره فوق سطح اللوحة، وهذا ما أشعر به في الغالب تجاه أي عمل أقوم بتنفيذه، فكثيراً ما أنصت إلى صوت اللوحة فهي من تملي علي ما تريده.تهتمين بالتفاصيل بشكل ملحوظ، إلى أي مدى تستهويك تفاصيل اللوحة؟الحياة هي من تمنحني تلك التفاصيل، سواء السعيدة أو المؤلمة، فهي ما يجمع وتركب الصورة الحقيقية التي لولا التفاصيل لما وجدت نهائياً.يشاع أنك في انحياز دائم إلى الطبيعة في أعمالك، ما السبب في رأيك؟الإنسان جزء من الطبيعة، وهو اللغز في الحياة، فمن الطبيعي أن أكون في انحياز إليها، ولو أنني لم أشعر يوماً بهذا الشيء إلا أني أعترف بأني كثيراً ما أنحاز إلى الإنسان، الذي حتى وإن لم أكن أجسده بشكل واضح في أعمالي إلا أنه موجود وأعبر عنه من خلال الرموز، وساستمر في تجسيده إلى آخر رمق فالإنسان والحيوان والطبيعة جزء لا يتجزأ من هذا الكون الذي نعيش فيه، وأنا كنت وما زلت مؤمنة بوحدة الإنسان مع الكون. ما هي أشهر لوحاتك والتي لها وقع محبب لديك؟لوحة أعتبر بأنها شكلت لي مرحلة انتقالية، أسميتها{الجمال المسروق» وهي لرجل يتجمل بريش الطاووس ويقدم له الورد بدلاً من ريشه، واهماً إياه بأنه سيصبح أجمل، متفاخراً بدوره بريش الطاووس المسروق، وهي بمثابة نداء للإنسان كي يحافظ على جماله الحقيقي ويمنع الآخرين من سرقة ذلك الجمال بوهم الشيء الآخر.في رأيك ما هي مقومات اللوحة الناجحة؟أي عمل فني هو جميل وناجح بشكل أو بآخر وأحترمه، لكني أكثر تأثراً وتحيزاً للوحة التي تجذبني أو بالأحرى التي تناديني كي أقترب منها وأتمعن في تفاصيلها، كما هي الحال مع أي متلقي ومتذوق للفن التشكيلي بشكل عام.حدثينا عن مشاركاتك الفنية؟كانت لدي مشاركة في معرض بو شهري ومعرض الملتقى الآسيوي في متحف الفن الحديث، فضلاً عن مشاركاتي في المعارض التي كانت تقام في الجامعة. كيف تقيمين مشاركتك في المعرض الآسيوي، الذي أقيم أخيراً في متحف الفن الحديث؟اعتبر المشاركة والالتقاء بالأخوة الفنانين من جنسيات مختلفة حدثاً رائعاً، إضافة إلى أن الجهد الذي بذله القيمون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ساهم بشكل كبير في نجاح المعرض تحديداً، ما أكسبنا نحن الفنانين كماً من الخبرات وأتاح لنا الفرصة للتعرف والإطلاع على مجموعة من الفنون والأعمال المختلفة.كيف وقع الاختيار عليك من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب؟المشاركون في المعرض، في غالبيتهم، فنانون مقيمون في الكويت، فقد كانت لدى إدارة المتحف الحديث رغبة في استقطاب عدد من الفنانين الآسيويين المقيمين بصورة دائمة في الكويت، والإطلاع على أعمالهم، لإتاحة الفرصة للراغبين في المشاركة في «المعرض الآسيوي»، وفعلاً تم اختيار أعمالي ضمن الأعمال المرشحة وشاركت بلوحتين تجريديتين. حدثينا عن هاتين اللوحتين؟لوحتان تكشفان في مضمونهما عن الجمال الداخلي، وكانتا مبنيتين على أفكار خاصة، تعدان مرحلة خاصة من مراحل بحثي عن مكامن الجمال، جسدتها من خلال الحصان والغزال. في ما يخص الألوان، فقد حرصت على أن توافر الزخم فيها، إضافة إلى استخدام لمحة من اللون الرمادي كناية عن الحياة.ما رأيك في واقع الفن التشكيلي المحلي؟أنا أحد أشد المعجبين بما يقدمه الفنانون التشكيليون المحليون تحديداً، فقد كانت لي مشاركة في إحدى الورش الفنية في جمعية الفنون التشكيلية، وقد بهرت بما يقدمه الفنانون الشباب من تقنيات وأساليب فنية إبداعية مذهلة، إضافة إلى الفنانين المخضرمين في هذا المجال، ما أتاح لي خلال فترة قصيرة فرصة اكتساب خبرة لا يستهان بها. في هذه المناسبة، أود أن أتقدم بالشكر إلى رئيس الجمعية عبد الرسول سلمان لمنحي فرصة المشاركة ودعمه وتشجيعه المتواصل لي ولغيري من الفنانين. هل الفنان التشكيلي اليوم أوفر حظاً من غيره من ناحية الانتشار؟قد يكون أوفر حظاً من ناحية الانتشار، إلا أنه قد يواجه الكثير من الصعوبات نظراً إلى كثرة الأعمال المعروضة وسرعة انتشارها، وهنا تكمن التحديات في خوض الفنان معركة إثبات الذات وسط هذا الزخم من الأعمال.هل في رأيك أن المرأة العربية أثبتت ذاتها تشكيلياً؟أجل فقد لمسنا في الآونة الأخيرة شجاعة ورؤية فنية واضحة، جعلت للمرأة مكانة مرموقة في هذا المجال، رغم أنها ما زالت تخوض معارك ضارية لإثبات وجودها في شتى المجالات في مجتمع ذكوري بحت.كانت وما زالت المرأة أيقونة الجمال لمعظم الفنانين التشكيليين، في رأيك ألم يحن الوقت كي يصبح الرجل أيقونة جمال للفنانات التشكيليات عموماً؟لمَ لا؟ فالرجل الجيد يستحق أن يكون أيقونة جمال وإلهام للمرأة، فجمال الرجل يصعب تجسيده على عكس المرأة، فهو مبني على أساس عميق وداخلي. ما هي طموحاتك الفنية على المدى البعيد؟طموحاتي كبيرة، ولدي إيمان مطلق بأن الفن هو لغة لحالة ألم مكبوتة وغير ظاهرة. شخصياً، أجد أن رسالتي في هذه الحياة تكمن في إظهار تلك المشاعر والأحاسيس عن طريق ما أقدمه من فن حتى يتسنى للمتلقي من أن ينفس عمّا يخالجه من شعور عبر لوحاتي.