تعليم... أم تصنيف طبقي؟
قبل أن يخطو أحدنا بابنه أولى خطواته التعليمية ثمة أسئلة كثيرة تتوارد إلى الذهن، أولها يتعلّق بالغاية من إلحاق هذا التلميذ الصغير بالمدرسة، هل هي التحصيل العلمي الجيد، أم الواجهة الاجتماعية بمعنى أن نختار مدرسة ذات كلفة مادية عالية كتلك التي يطلق عليها ثنائية اللغة، أو حتى المدارس ذات النظام الأميركي، والبريطاني، ولا يخفى علينا ما يوليه الأهل هنا من أهمية للاعتبار الاجتماعي، بمعنى ألا يخلو الحديث حين المناسبات الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء والصديقات خصوصا، من إشارة ذات مغزى بالقول إن ابننا يدرس بمدرسة كذا وكذا، وهذا الموقف بحد ذاته قد لا يكون مرتبطا بالفائدة العلمية بقدر ارتباطه بالمباهاة والتفاخر الاجتماعي، والدليل أن مخرجات هذه المدارس ثنائية اللغة والغربية منها قد لا تكون أكثر كفاءة من الناحية العلمية إذا ما قورنت بنظيراتها العربية والحكومية. والغريب أن الكلفة المادية العالية التي تنفق على التعليم هنا في المدارس الحكومية، والخاصة ليست تتماشى ونتائج التحصيل العلمي، ولا يخفى علينا تلك النتائج التي نقرأ عنها من حين إلى آخر في مسابقة Timss العالمية للرياضيات والعلوم، وهي المخصصة لقياس التحصيل الدراسي للتلاميذ في هاتين المادتين إذ يأتي طلاب الكويت في مراكز متأخرة.
وبحسب تقرير ورد في الزميلة "القبس" فإن الكويت جاءت في المركز الـ80 من جملة 129 دولة، وذلك مركز متأخر، قياسا إلى الإمكانات المادية العالية للدولة، في حين أن دولة مثل سنغافورة تأتي في المراكز الأولى، الأمر الذي أذهل حتى الولايات المتحدة، أو بتحديد أكثر المهتمين بتطوير التعليم فيها. وبحسب التقرير السابق فإن الكويت شهدت تأخرا في التعليم ومخرجاته مقارنة بفترتي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، وذلك يثبت أن الطفرة المادية لم تُستغل بالشكل المطلوب لتطوير التعليم أو بأن الميزانيات المخصصة للتعليم لم تكن لتصرف في الوجه السليم. وإلا ما معنى أن تُرفع الميزانية في حين يتدنى مستوى التعليم؟ وليست الكويت بدعا من بقية أقطار الوطن العربي الذي يعاني تخلفا شديدا في التعليم، وتتداخل فرضيات عديدة لاستنتاج الأسباب الحقيقية لهذا التخلّف، وإن تكن تصب جملة في غياب التفكير العلمي السليم، وتنمية المهارات الفردية في النواحي العلمية المرتبطة بالابتكار الصناعي، والاستكشاف، والتطبيق العلمي، وكذلك حوسبة التعليم والاهتمام بشكل كبير بتطبيقات الحاسوب في المعادلة العلمية والبحث والاستكشاف، ومثل هذه البرامج تنمي في التلاميذ حب الاستكشاف العلمي، الأمر الذي يرتبط بعلاقة وثيقة في فترة لاحقة بالتصنيع، وتغذية المصانع المحلية بالمهندسين، والعلماء والمستكشفين، نقول ذلك في الوقت الذي يعيش العالم العربي في جملته على الاستهلاك واستيراد المنتج من دول الشرق والغرب، فما من صناعة في أوطاننا ولا من يحزنون، لذلك ليس غريبا أن تقل رغبة التلاميذ في الالتحاق بالكليات العلمية والصناعية. بالعودة إلى الكويت تتبع السلطان هنا طريقة في إقصاء التلاميذ العرب المقيمين في البلد عن المدارس الحكومية الأمر الذي يخلق عزلة بين التلميذ المقيم، وزميله المواطن، مما يُضعف روح التنافس، بل ويولّد الخمول في ذوات التلاميذ في المدارس الحكومية، والغريب أن نتائج الثانوية العامة التي تظهر في نهاية كل سنة تعمد إلى إعلان الأول أو الثاني أو الخامس مثلا على الكويتيين، والأول على الجنسيات الأخرى من المقيمين هنا، وهو تصنيف مُضحك لا علاقة له بالكفاءة العلمية، إذ إن المقرر العلمي واحد، والاختبارات ذاتها، فما الداعي إلى هذا التصنيف؟ يحتاج التعليم هنا إعادة نظر، ودراسة شاملة سواء من حيث الرسوم العالية التي تؤخذ من أولياء الأمور في مقابل تحصيل علمي لا يرضي طموح أحد، أو من حيث التصنيف الفئوي، والطبقية الظاهرة في المؤسسات التعليمية ذاتها، وهي أمور في جملتها ليست مفيدة للطالب، ولا للعملية التربوية في جملتها.