لقد تخبطت مسودة الدستور المصري في ما أوجبته من التزامات على المجتمع، فضلاً عن الدولة، إذ جاء التزام المجتمع جنباً إلى جنب مع الالتزامات التي فرضتها المسودة على الدولة في الحرص على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها، وحماية تقاليدها وقيمها الخلقية (مادة 9) وفي رعاية الأخلاق والآداب العامة وحمايتها، والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة، ومراعاة المستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية (مادة 10) وفي كفالة الإنسان في الكرامة الإنسانية واحترامها وحمايتها (مادة 28).

Ad

ولئن كنا لا ننكر دور الدين والأخلاق في توخي تنظيم الحياة في الجماعة، وأن قواعدها بدورها واجبة الاحترام، شأنها شأن القواعد القانونية إلا أنها تختلف اختلافاً أساسياً عن هذه القواعد في أنها تترك المخالف لحكم الضمير أو لسخط المجتمع أو لغضب الله وعقابه في الآخرة، ولكن عندما تصبح التزاماً على الدولة بنص دستوري، فإن على الدولة أن تجبر الناس على احترامها ولو قسراً عنهم وإرغاماً، وأن توقع الجزاء على من يخالفها، من خلال هيئة تنشئها لتحقيق هذا الغرض بقانون يستطيع فصيل التيار الإسلامي بأغلبية له في البرلمان إقرار مثل هذا القانون على سند من هذه النصوص الدستورية.

ويصبح الأمر أكثر خطراً عندما تصبح قواعد الدين والإخلال التزاماً على المجتمع إلى جانب التزام الدولة بها، رغم أن الدولة هي الكيان القانوني الوحيد الذي يمثل المجتمع في ما تفرضه من أوامر ونواه، ويصبح من حق أي جماعة في المجتمع أن تطلق لنفسها العنان في تقييم سلوك الأفراد ومدى التزامهم بالقيم الأخلاقية وبالآداب العامة، وفي توقيع الحدود الشرعية عليها إذا كان يستطيع هذا التيار أن ينشئ جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمجرد الإخطار الذي تنص عليه المادة (46) من مسودة الدستور على سند من النصوص الدستورية التي فرضت هذا الالتزام على المجتمع مثلما فرضته على الدولة، وعلى سند من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر تكليفاً شرعياً في كتاب الله وسنّة نبيه.

إلا أن ما ينبغي إحسان فهمه في هذا التكليف الشرعي، من أجل إحسان تطبيقه، يعتبر تحاشياً لخلط الأمور بين كثير من المسلمين الذين لا تنقصهم الغيرة على الدين، ولكن قد ينقصهم العلم والحكمة، وهو ما يجرنا إلى عواقب وخيمة لا تحقق خيراً، ولا تحارب منكراً فيقعون في خطأ مخالفة النظام العام.

ومن هنا فقد وضع علماء المسلمين شروطاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجوز تجاوزها أو القفز عليها.

ومن هذه الشروط التي وضعوها لتغيير المنكر باليد، أن يكون هذا التغيير لمن له سلطة في دائرته، كالحاكم في إمارته، وكالزوج مع زوجته، والأب مع أبنائه.

وما كان أغناها مسودة دستور مصر عن هذا كله، لو أنها استمدت نصوصها وأحكامها من المقومات الأساسية للمجتمع في دستور الكويت، حيث تنص المادة (9) منه على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصراها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة"، كما تنص المادة (46) من دستور الكويت على أن "مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت".

ما أبدعه هذا الدستور، الذي ازداد انبهاري به بعد أن قارنت نصوصه وأحكامه بما اشتملت عليه مسودة دستور مصر مما يقابلها ويختلف عنها في الفلسفة التي تقوم عليها وفي الصياغة المهنية والحرفية التي قام عليها دستور الكويت.