تقدير الموقف السياسي في الكويت عنوانه الرئيسي الساعة أن الحكم قد أخذ زمام المبادرة واستعاد موقعه الذي كان محل تراجع وضعف شديدين في السنوات الثلاث الأخيرة، صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد قلب كل معادلات وحسابات تقدير الموقف التي كان يقيس بها البعض، وبصفة خاصة صقور الأغلبية المبطلة، بعد أن وضعوا مسطرة معينة يقيسون عليها وفقاً للسوابق المتراكمة منذ 2006، ولكن الحُكم من جانبه رأى أن "السكين قد وصلت العظم"، ولم تتبقَّ أي موانع أو خطوط حمراء لم يتجاوزها التحالف الديني-القبلي ومناصروه ومستغلوه، قبل أن يسقطوا دولة الكويت المدنية الدستورية التي أسست عام 1962، فوضع معادلات جديدة فاجأت مَن زاد النار بلا حساب فأحرق الطبخة!
نعم، الحكم استعاد زمام المبادرة بقوة، وهو أمر يجلب الغبطة والارتياح لأن الدولة الكويتية ودستورها يقومان على عقد بين طرفين هما الأسرة الحاكمة والشعب، فإن سقط أحدهما أو ضعف تلاشت الدولة ودخلنا في المجهول والضياع، لذلك كانت نتيجة تردد الحكم في تفعيل القوانين واستخدام اللغة الملتبسة مع المتجاوزين السنوات العجاف الأخيرة التي غاب عنها الاستقرار وساد الصوت العالي وفوضى الشارع، ولاشك ان للسلطة والحكومة التي تهيمن عليها أخطاء وتحالفات خطيرة أوصلتنا إلى هذه المرحلة من استجابة قطاع من الشعب للصوت العالي وفوضى الشوارع، يجب أن تراجعها وتصححها دون تعطيل، سواء في ما يخص قضايا الفساد والمحسوبية، وكذلك قلة الإنجاز التنموي والخدماتي للمواطنين.الحكم في الأسابيع الأربعة الأخيرة في حيويته ولياقته الكاملتين، وكذلك قدرته على اختيار التوقيت المناسب وتوجيه الرسائل الحاسمة، ومظاهر شبابه واضحة فلم يعد الحديث عن البيولوجيا ذا قيمة، فقد كانت تحركات سمو الأمير محسوبة وناتجة، على ما يبدو، عن خطة إنقاذ للوطن وضعت لمساتها منذ فترة نتيجة تسارع الأحداث وتمادي العبث والفوضى في الشارع منذ بداية الصيف الماضي.الشيخ صباح الأحمد استحضر كل خبراته وحكمته الممتدة والتي عاصرت وتعاملت مع أحداث وأزمات محلية وعربية ودولية على مدى أكثر من 60 عاماً، فكان القرار حازماً ولغة الخطاب حاسمة ومفعولها كان قاطعاً فاستجلب سموه بأدائه المميز دعماً شعبياً من الكويتيين الذين كانوا في انتظار نهاية حقبة الاستيعاب والنصح، وبداية حقبة جديدة من الحزم في صد الخطر المحدق بالديرة، فكان إيقاع سمو الأمير متناغماً في اللقاءات والاجتماعات التي بدأت باجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه سموه وأعلن فيه عن حزمة مراسيم الضرورة الوقائية والجراحية للأزمة والعلة الوطنية، مروراً بخطاب الجمعة الفاصل بتعديل النظام الانتخابي والاجتماعات المختلفة التي لحقته، وختاماً بالخطاب وسط الجماهير الذي أكد فيه سموه على المبادئ الديمقراطية والدستورية للحكم، ووجه كذلك سموه من خلاله رسائل إلى التمسك بالقرارات ومواجهة الاضطرابات المفتعلة بشدة، والتضامن الخليجي مع الكويت.الحكم اليوم عاد بقوة إلى موقعه، وهو في حالة شعبية جارفة شبيهة بمرحلة ما بعد تحرير الكويت عام 1991، وكذلك بعد عملية نقل مسند الإمارة بطريقة ديمقراطية سلمية عام 2006، وفي المناسبتين كان للحكم فرصة ذهبية للبناء والشراكة الفاعلة مع الكويتيين من أجل الإصلاح والتنمية، ولكنه خسرهما؛ ففي 1991 عاد الحكم إلى تكتيكاته القديمة في الحكم وتحالفاته التقليدية، فضاع الإصلاح وبناء كويت جديدة مستفيدة من عبر الغزو والاحتلال، وفي 2006 كان الكويتيون متعلقين بمشاريع التنمية الكبرى واستثمار الفوائض وانعكاس آثارها على رفاهية المواطنين، ولكن ضاع الحكم في متاهات المناورات السياسية وترضية أطرافها المتصارعة، وتعطلت المشاريع سنواتٍ طويلة، فهل يستفيد الحكم هذه المرة من الفرصة الحالية بتلبية آمال الكويتيين وتطلعاتهم إلى الإصلاح والتنمية الحقيقيين بعد أن أمسك بزمام المبادرة بدعم شعبي كبير؟
أخر كلام
الحُكم استعاد زمام المبادرة
08-11-2012