سورية تعيش حرباً أهلية حقيقية، هذا ما ذكره مراقبو السلام في الأمم المتحدة، والسؤال الآن كيف ستنتهي هذه الحرب الأهلية متى سلمنا بوصفها "حربا" وليست ثورة تحرير فقط من أجل إزالة النظام الستاليني المتسلط للعائلة الأسدية، لا نقرأ الكف ولا الفنجان ولا نضرب الودع إذا قلنا إن الحرب في سورية ستنتهي بتقسيمها إلى دولتين سنية وعلوية سواء طال أم قصر أمد الحرب، فالتقسيم لن يكون جديداً على الدول العربية، حين يعيد "ربيعها" مع تدخلات الخارج تقسيم التركة العثمانية وفق الهويات الطائفية والعرقية، وستخلق أمماً جديدة أو بكلام أصح "قبائل ترفع الأعلام" كما كتب الكثيرون، والقبيلة هنا بالمفهوم "القبائلي" أي أولوية الانتماء للقبيلة الطائفية على الانتماء للدولة، وليس قاصراً على الأصل القبلي العرقي.
الأستاذ هاشم صالح ابن سورية الذي قدَّم للفكر العربي خدمة جليلة بترجمة أعمال المفكر الراحل محمد أركون يسأل بيأس في جريدة الشرق الأوسط عدد الاثنين الماضي عن "الخطيئة الأصلية" في شرقنا، ويطرح على نفسه السؤال "الغبي المتهور" بتعبيره الحزين متسائلا "... أما كان من الأفضل الإبقاء على سورية مقسمة إلى عدة دول على أساس جغرافي مذهبي متجانس بدلاً من توحيدها بشكل تعسفي وقبل أن تنضج مكونات السكان وتصبح مؤهلة لذلك؟ أقصد بهذا أن التنوير السوري كان ينبغي أن يسبق التوحيد السوري وليس العكس. أقصد بالتنوير السوري أو العربي القضاء على العصبيات الطائفية أو تحجيمها على الأقل عن طريق تنوير العقول وبث فكر جديد عن الدين..."! تساؤل مشروع نقرأه وفي أدمغتنا يظل يرن طنين الصومال ولبنان والعراق قوياً... والعرض ما زال مستمراً للبقية العربية. كسينجر، ومهما يثير فينا ذكره من مشاعر النفور يظل رائداً للمدرسة الواقعية السياسية، والتي طبعت معظم تاريخ السياسة الخارجية الأميركية يدعو في مقال له بـ"واشنطون بوست" إلى عدم التدخل الغربي في الحرب السورية، لأنه ليس هناك مصلحة استراتيجية لتلك الدول في التدخل العسكري، والاعتبار الإنساني للتدخل الأجنبي ليس له مقام يذكر حين يكون الحديث عن المصالح الاستراتيجية للدول، وفي ثنايا مقاله يقرر حقيقة مؤلمة، بأن دول الشرق الأوسط باستثناء مصر وإيران وتركيا ليس لها مقومات الدولة الأمة nation state وأن معاهدة وستفاليا للسلام عام 1648 التي قننت مفهوم الأمة ذات السيادة ضمن حدودها الإقليمية وأنهت بذلك حرب الثلاثين عاماً في أوروبا لم يحدث ما يماثلها في الشرق الأوسط.ماذا يخبئ المستقبل لدولنا! هذا في علم الغيب، لكن الوقائع التاريخية لا تبشر بالخير... للنظر بحذر وقلق "للصوملة واليمننة والعرقنة واللبننة... الخ" في دول "رسمت خطى على الرمال" (عنوان رواية للراحل هاني الراهب) فالكوابيس ستصير حقائق، وليتعظ مخابيل النزعات الطائفية في دولتنا الصغيرة، ويكفوا عن إثارة الفتن المذهبية المتشنجة والمتدفق سيلها من جبال الجهل والتطرف.
أخر كلام
ماذا يخبئ الغد السوري؟
14-06-2012