كسدت اثمانهن
اللغط الذي يدور حول تغريدات مسيئة مست مرشحة سابقة لانتخابات مجلس الأمة لم ولن تكون آخر حكاية عن وضع المرأة المقلق والمربك في مجتمعاتنا وبيئاتنا . فحكاية المرأة الموسومة بالهشاشة والعيب والعار والنقص، والمنذورة للضعة والهوان، كانت ولا تزال تاريخاً كالحاً مربدّاً منذ جاهلية القوم ومنذ أيام الغزو والسبي والانتهاك. وما استطاعت آيات الله وكلماته المنزلة في «الموؤدة» وذي «الوجه المسود الكظيم» الذي «يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به»، أن تغيّر من واقع الجاهلية الذي يناصب المرأة العداء والبغضاء! ويراها من سقط متاعه وآلة لخدمته ومتعته!
ويبدو أن المتغيرات السياسية والاجتماعية الراهنة التي تمثلت في الثورات المتعاقبة على الأنظمة الفاسدة لم تستطع أن تقطع خطوة واحدة في إنصاف المرأة واحترام إنسانيتها. فكأن فعل الثورة هو حراك ذكوري محض، يضع مسألة الحط من شأن المرأة ونفيها ضمن أولوياته وأهدافه! ولعل أحداث الاعتداءات على الفتيات والنساء في الاعتصامات المصرية والتحرش بهن بات من الأخبار المتداولة والمؤكدة، أما التقولات والإشاعات عن سمعة أولئك النسوة وتمرير الأخبار الماسة بالشرف والكرامة، فقد بات من ضمن الحروب النفسية بين الفرقاء، والتي تكون فيها المرأة دائماً هي كبش الفداء للمراهنات السياسية والمكاسب! ومؤخراً تم شن حملة في مصر تناهض مسألة التحرش الجنسي التي تتعرض لها المرأة بشكل مستفزّ في الآونة الأخيرة وبنسبة تفوق التصور! ولعل ما يثير العجب في نتيجة الاستبيانات حول هذه الظاهرة، هو أن النسبة الكبرى لضحايا التحرش هن من فئة المنقبات، تليها فئة المحجبات، وأخيراً تأتي فئة السافرات! وعلى المتأمل أن يقرأ هذه النتيجة كما يشاء!أما المثال الثاني لانتهاكات الثورات المظفرة، فهو ما حدث في ليبيا في عهد القذافي وما يحدث بعد رحيله المذلّ. فقد كان للقذافي دائماً حرسه الخاص من النساء، وكان المشهد مربكاً وغامضاً! إلى أن تكشفت أخيراً حقيقة مرعبة عن صلة القائد بنسائه، وعرف العالم ما كان يدور من انتهاكات جنسية وحشية ارتكبها الزعيم في حق فتيات صغيرات كان يقتنصهن من المدارس وحفلات الأعراس وهن في الرابعة والخامسة عشرة من أعمارهن الغضة، إلى أن ينتهين سبايا وسجينات أبديات في سراديبه المعتمة في الليل، وفي النهار يُجبرن على مرافقته بالزي العسكري للتمويه على مباذله. ولعل كتاب «الفرائس في حرم القذافي» الذي تقدمت الكاتبة الفرنسية (آنيك كوجين) بنشره مؤخراً، يلقي بعض الضوء على ذلك العالم البوهيمي المتوحش، مستعينة بسيرة (صوريا / ثريا) التي حولها القذافي إلى حطام بشري كحال غيرها من الفتيات الصغيرات! وكان ما يسمى باللجان الثورية، التي رفعت شعارات خدمة الثورة والتحرر من القيود وتكوين فرق المناضلات، هي المصيدة الخبيثة لاقتناص أولئك الفتيات الضحايا. بيد ان اللافت في رواية (ثريا) أن انتهاء القذافي لم ينهِ معاناتها! فحين تطوعت بسرد مأساتها إلى بعض جنود الثورة الذين حرروا ليبيا من الطاغية، عطفوا عليها في البدء وهيأوا لها مسكناً لائقاً، لكنهم سرعان ما عاجلوها بالاغتصاب! فهي على كل حال جسد منتهَك لا قيمة له!