ليس هناك أسباب وجيهة تبرر منع الحكومة وقمعها للمسيرات الشعبية السلمية المعارضة لسياساتها كما حصل يوم 21 أكتوبر الجاري أثناء مسيرة "كرامة وطن"، حيث إنه من حق الناس دستورياً وبحسب المواثيق الدولية التي وقعت عليها الكويت أن تجتمع وتتظاهر، ودور قوى الأمن ينحصر في حماية الأمن والمحافظة على أرواح الناس أثناء التجمعات والتظاهرات.

Ad

فالمادة (44) من الدستور تنص على التالي: "للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة، والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب".

إذن المادة الدستورية واضحة ولا تحتاج إلى المزيد من التفسير أو الشرح، أما القانون فإنه ينظم الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات لكنه لا يجوز أن يحظرها لأنها مباحة، وهذا يعني أن القانون الخاص بالاجتماعات العامة والتجمعات الصادر عام 1979 أثناء تغيّب مجلس الأمة هو قانون غير دستوري؛ لذلك ألغت المحكمة الدستورية بعض مواده (1) و(4) مع نصوص الكثير من مواده الأخرى "فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام" لعدم دستوريتها. مع هذا وعلى الرغم منه، فإن القانون رقم (65/ 1979) لا يزال ساري المفعول وتطبقه الحكومة، إذ إنه ليس القانون غير الدستوري الوحيد الذي يُعمل به.

وكما سبق أن قلنا ذات مقال، فقد أعطى الدستور ومذكرته التفسيرية، التي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ منه، اهتماما خاصاً واستثنائياً لرقابة الرأي العام، حيث جاء في المذكرة التفسيرية ما يلي نصاً: "... أن الحكم الديمقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم. وهذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية".

وبعد أن تشير المذكرة إلى المواد الدستورية التي تكفل الحريات الشخصية والعامة، فإنها تؤكد التالي: "وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتماً الوعي السياسي ويقوى الرأي العام، وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاماً لا متنفس لها بالطرق السلمية، فتكون القلاقل، ويكون الاضطراب في حياة الدولة، وهو ما اشتهر به النظام الرئاسي في بعض دول أميركا اللاتينية، وما حرص الدستور على تجنبه وتجنب الكويت أسبابه". انتهى الاقتباس.

وهكذا فليس هناك أوضح تعبيراً من أهمية الرأي العام "العمود الفقري في شعبية الحكم" مما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور، وهو ما يجعل منع الحكومة للمسيرات والتظاهرات السلمية وقمعها غير مبرر سواء دستورياً أو سياسياً.

أما القانون (65/ 1979) فإنه يطبّق، مع الأسف، بانتقائية... فالجميع يتذكر أنه قد سبق أن سُمح لمسيرة مؤيدة لرئيس الوزراء السابق بعد استجوابه، وكان يقودها النائب السابق حسين القلاف تحت حماية قوى الأمن رغم أن المسيرات والتظاهرات هي وسائل اعتراض، وليست وسائل تأييد إلا في الأنظمة الشمولية.

لهذا فمن المفروض أن تسمح الحكومة للمسيرات السلمية المعارضة لسياساتها العامة، فالتعبير عن الرأي مكفول دستورياً (مادة 36)، ناهيكم عن أن السماح لمعارضي سياسات الحكومة بالتعبير عن آرائهم بالوسائل السلمية المتاحة يعتبر أحد عناصر قوة الأنظمة الديمقراطية.