نحن خير من يتحدث عن المستقبل ومشاريع المستقبل، ويعيش شبابنا هذه الأحلام من بداية بلوغهم حتى بلوغ شيخوختهم المبكرة والمتأخرة دون أن يتحقق لهم شيء من هذه الأحلام. واسطوانة الأحلام تتوارث من جيل إلى جيل وتنتقل وفق هذا الإرث بشكل متطور فيضيف لها القادمون الجدد ألوانا أكثر وردية، فهم لا يكتفون بتجديدها للأبناء وإنما يرسمون حولها أحلاما أخرى أجمل منها.

Ad

في زمن ما لا أتذكره الآن استعارت وزارة التربية مباني مدارس في أماكن مختلفة من الكويت لإنشاء جامعة هي الوحيدة في بلد صغير تعداده لم يصل حينها إلى بضع مئات من الألوف، وكان الحلم في المستقبل القريب مدينة جامعية تضم هذه الكليات المتناثرة، وعشنا نحن طلبة الحلم نحلم برؤية مدينة جامعية تضم مكتبة عالمية ومسرحا عالميا وقاعات ضخمة مجهزة وصالات للفن التشكيلي وللفعاليات والأنشطة الطلابية الاجتماعية والثقافية، ولكن الزمن مر سريعا واقترب المستقبل وأصبح حاضرا وتجاوزنا وأصبح ماضيا دون أن نرى حجر الأساس لهذه المدينة الجامعية.

في زمن النائب والوزير المرحوم أحمد الربعي، وعدنا الرجل باقتراب الحلم ولوّن لنا حلم مدينة الشدادية، وهي مدينة عزيزة على قلبي سكنتها قبل أن أولد، وكان مشروع المدينة مطروحا قبل تولّي الربعي مسؤولية وزارة التربية. وأتذكر أنه صرح ذات مرة بأن فشله في بناء المدينة الجامعية يعني فشله كوزير وتعهد بأن يستقيل اذا ضاع الحلم. ضاع الحلم ولم يستقل الربعي.

في زمن ما لم أعد أتذكره الآن تحدثت الحكومة عن بناء مجمع وطني للمسارح يضم قاعات مسرحية ليست مضاهاة لقاعات مسارح برودواي لكنها تليق بتجربة دولة رائدة عربيا في المسرح منذ مطلع الستينيات حتى الانهيار الأخير لصناعة المسرح. ومر زمن طويل على ذلك الحلم ولم نر شيئا منه وغادر رجال الوعد مناصبهم دون أن يتحقق الحلم الذي وعدونا به.

في الحلمين السابقين كانت هناك حاجة ملحة لهذه المشاريع وليس من باب الترف، فعمر الجامعة وصرحها المستعار يقترب من نصف القرن، وعمر الحركة المسرحية تجاوز نصف القرن ومع ذلك لم تستطع الحاجة  أن تقودنا إلى بناء صرح جامعي نفخر ونفاخر به، ولم تستطع الحاجة أن تلهمنا بناء مسرح واحد وليس مجمعا وطنيا للمسارح الأهلية. أما الحلم الجديد فهو بناء دار للأوبرا وهو حلم يبدأ من البناء أولا على نقيض الحلمين السابقين. فهناك كانت لنا تجربة مثمرة تستحق البناء أما هنا فلدينا بناء نقيم عليه تجربة.

اذا كان جيل الأحلام الضائعة فقد التعاطي مع مسرحية جادة وثقافة جامعية جادة، وحضور الندوة الثقافية الهامة أقل من عدد ضيوف الندوة والمجلة الثقافية المحكمة ضرب من الخيال، فمن هم يا ترى رواد حلم دار الأوبرا؟ إذا كان السلام الوطني يترنح بين الحلال والحرام فمن سيستمع إلى حلاق اشبيلية أو عايدة؟

نحن لسنا ضد الأحلام ولكن نتمنى لو نفاجأ مرة بواقع، أن نستيقظ من النوم على مسرح غير الدسمة وجامعة غير المباني المستعارة ولا بأس من دار أوبرا وربما نردد بصوت يوسف وهبي "يا للهول" لكننا سنستوعب الصدمة.