انفخ يا شريم!
قبل شهر بالضبط، وقفت الحكومة وخاطبت، على لسان وزير التربية وزير المالية بالإنابة وقتئذ، د. نايف الحجرف أعضاء مجلس الأمة بمناسبة مناقشة الزيادات والكوادر المالية، وكان الخطاب الحكومي "يعور القلب" حين أخذت الحكومة تشتكي الحال و"تنخي" نواب الأمة أن يتفهوا حالها وحال الدولة المائل، وكررت كلاماً حفظناه ورددناه كالببغاوات منذ تسعينيات القرن الماَضي عن مخاطر المستقبل وعن الدراسات الكثيرة التي تؤكد جميعاً أن "الواقع الاقتصادي يتجه نحو مسار منحدر بشكل حادٍّ، وينطوي على تحديات ضخمة تحمل مخاطر فادحة التكلفة...".ومضت الحكومة تولول وتذرف الدموع الساخنة علَّها تحرك قلوباً من حجر لدى أكثرية نواب الأمة الذين تعلموا من الحكومات المتعاقبة درس جماعة "الذين يأمرون بالمعروف وينسون أنفسهم"؛ فالحكومات التي تعظ وتنصح نواب الاستهلاك والهدر على اليوم الحاضر، نسيت نفسها حين بالغت في كرمها وسخائها بتقرير كوادر وزيادات وهبات مالية لم يطالب بها أحد، وكانت تلك رِشا تنسجم وتتجاوب مع متطلبات الربيع العربي، ما أخل بميزان العدل لصرفها لغير المستحقين... وهي الحكومات (ماكو غيرها) التي أهدرت المليارات على ربعها والمقربين من مراكز القرار في تفصيل المناقصات وترسية العطاءات، متوهمة أنها متى عدَلت مع الكبار في تقسيم الريع بينهم، فعليها أن تعدل مع الصغار في ما تبقى من الريع!
ومهما كان الأمر، ولو سلمنا بأن الفساد الرسمي مقسوم وقدر علينا، ومثله أيضاً الفساد الشعبي بعد أن انتقلت إليه العدوى الرسمية، فإن مثل ذلك الخطاب الحكومي المحذِّر من خطر المستقبل وإعسار الدولة خلال سنوات قريبة لم يحرك ساكناً عند معظم النواب، ومن السخافة أن نتصور أن أي نائب، مهما كان انتماؤه السياسي، سيلبس رداء المخططين الاقتصاديين وسيقنع قواعده الانتخابية بضرورة وقف الهدر المالي والتضحية بالقليل من الحاضر من أجل المستقبل، فمثل ذلك لا يمكن تخيله بعد عقود طويلة من التسيُّب الاقتصادي والسياسات الريعية للدولة، ومع غياب الحزم السياسي عند الحكومات حين يكون الحديث عن المزيد من التبديدات المالية، ويصبح كل ذلك كلاماً "مأخوذة زبدته" في النهاية، ومن دون أن ننسى أن مثل هذا المجلس كسابقه من مجالس العيب والحرام، ليس من أولوياته تدبر الواقع الاقتصادي للدولة، وترشيد الإنفاق المالي؛ فهموم نواب المجلس، حتى بالنسبة إلى عدد من النواب المختصين بالاقتصاد مثل خالد السلطان، محصورة في خنق الحياة الاجتماعية ومصادرة الحريات الشخصية، وملاحقة واضطهاد الأقليات "شبه الليبرالية" أو الشيعة.هل هناك حل لأزمة الاقتصاد وأزمة الحريات في هذه الدولة مع حكوماتنا الرخوة ومجالسنا المتحجرة؟ لن تكون الإجابة بغير التشاؤم للأسف، فمثل هذه الحالة الكويتية ومثلها بعض دول الخليج الريعية لن يتعلما بالعقل ومن تجارب التاريخ ودول أخرى، بل سيتعلمان فقط حين ينزل "الفاس بالراس" وعندها لن نجد مَن يقول لنا "إذا فات الفوت لن ينفع الصوت" وكيف يمكن للأشرم أن ينفخ؟!