تشغلنا الحياة اليومية أحياناً عن رصد وتأمل ثم قراءة وتحليل وقائع تمر علينا مرور الكرام، بينما تحمل في الحقيقة دلالات وإيحاءات كان ينبغي أن تكون في الحسبان، وتصبح محل اعتبار.

Ad

من بين هذه الوقائع، التي لم تستوقف أحداً سابقاً، خصوصاً النقاد السينمائيين والباحثين، أن ما يجري في صالات العرض السينمائي مع كل فيلم جديد يُطرح على الجمهور يكاد يعكس مظهراً من مظاهر «الديمقراطية» في معناها الدقيق.

تبدأ «العملية الديمقراطية» بفيلم سينمائي «ترشحه» الشركة المنتجة للعرض، و{تختار» الشركة الموزعة توقيتاً محدداً لعرضه في الصالات والشاشات، تُراعي فيه أن يضمن «النجاح»، ويعود بالأرباح والمكاسب الوفيرة على «أصحاب المصلحة»، الذين يمكن النظر إليهم بوصفهم «الأحزاب» التي تقف وراء «المرشح»، الفيلم، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لدعمه وإنجاحه.

هنا يظهر دور «الجمهور»، «الشعب»، الذي يُعد طرفاً أصيلاً في «العملية»، التي لا تتم، بل تفقد أهميتها، في حال غيابه عن «المشاركة»، ومع إقبال «الجمهور» على الصالات، بعد امتلاك «البطاقات»، في مشهد أقرب إلى ما يحدث في الحياة السياسية، عندما يتوافد «الشعب» على «الدوائر الانتخابية»، يبدو مجدداً وكأننا أمام «اقتراع» أو «استفتاء» بمعنى الكلمة!

هو «استفتاء» فعلاً في سياق خطوة ديمقراطية تلقائية كونها لا تخضع، هذه المرة، لسطوة الحكومات والأنظمة وسيطرتهما، ويمثل «التصويت» حجر الأساس فيها مع الفارق أن هذه الخطوة التلقائية لا تعرف «الصناديق الزجاجية الشفافة»، وتعترف فحسب بـ «شباك التذاكر»، الذي يؤدي إلى «نجاح» فيلم و{فشل» آخر تماماً كما يحدث في الانتخابات التي تُسفر عن نجاح «مرشح» وإخفاق آخر.

عيد الفطر هو الموعد الذي تحدد، بحكم العادة، لانطلاق «الاستفتاء» الجديد الذي يجري، بشكل غير رسمي لاختيار «الفيلم» الذي يحظى بثقة «الجمهور»، مثلما يفوز «المرشح» بثقة «الناخبين»، ومع بدء العد التنازلي واقتراب «ساعة الصفر» اكتملت «الإجراءات»، وتم الإعلان عن قائمة «الأفلام المرشحة»، التي وافق جهاز الرقابة على المصنفات الفنية على إجازة عرضها، مثلما تفعل اللجنة المسؤولة عن الانتخابات عند إعلان قائمة «المرشحين»، وتضمنت القائمة التي تم اعتمادها: فيلم «تيتة رهيبة» بطولة محمد هنيدي، فيلم «بابا» بطولة أحمد السقا، فيلم «مستر آند مسز عويس» بطولة حمادة هلال بالإضافة إلى فيلم «البار»، الذي تؤدي بطولته الوجوه الجديدة: أحمد عبد العزيز، أحمد بجة، أحمد عبد الله محمود، منى ممدوح ومي القاضي، لكن جهاز الرقابة اشترط عرضه «للكبار فقط» بسبب جرأته (!)، ما يعني أن المنافسة ستصبح مقصورة في «الاستفتاء» على «هنيدي» و{السقا»، لكن فوز أحدهما لا يعني أبداً أنه صاحب الشعبية والجماهيرية الكبرى، نظراً إلى تراجع عدد «المرشحين»!

ثمة فارق آخر طريف يتمثل في أن اللجان الانتخابية لا بد من أن تفتح أبواب مقارها في أي «استفتاء» أو «اقتراع» في توقيت محدد لا يمكن الإخلال به، وإلا تعرض من ارتكب المخالفة للعقوبة القانونية، لكن عدداً من المنتجين لجأ، في الأعوام القليلة الماضية، إلى الاتفاق مع الموزعين وأصحاب الصالات والشاشات على التبكير بموعد نزول الأفلام إلى الأسواق في حفلات تجارية عشوائية قبل يوم العرض الذي جرى عليه العرف، حتى يتسنى لهم جمع حفنة من الجنيهات، وعلى رغم عدم مشروعية الخطوة لما تمثله من إخلال جسيم بمبدأ تكافؤ الفرص بين الأفلام والنجوم، فإن غرفة صناعة السينما في مصر المخولة بحكم القانون حماية الصناعة تقف مكتوفة الأيدي، ولا تتحرك لردع مرتكبي المخالفة وكأنها تشجع الجريمة، الأمر الذي أدى إلى استفحالها وشجع آخرين على تكرارها.

لم نبالغ عندما قلنا إن ما يحدث مع عرض الأفلام في صالات العرض السينمائي بمثابة «استفتاء» غير تقليدي يقدم نموذجاً فريداً لديمقراطية تؤكد قدرة الشعوب، التي يحلو للبعض اتهامها بأنها غير مؤهلة للديمقراطية، على امتلاك زمام أمرها وقيادة نفسها، والتحكم في قرارها وتوجيهه شطر الشخص الذي تختاره، سواء أكان رجل سياسة أو نجماً سينمائياً، لكنه هذه المرة «استفتاء» من دون «صناديق»، وأهم ما فيه أنه لا يعرف التزوير أو تزييف إرادة «الناخبين»!