في أحد المؤتمرات الصحافية المخصصة لإعلان التحضيرات النهائية لانطلاق دورة جديدة لمهرجان سينمائي يُطلق على نفسه «مهرجان دولي»،طلب أحد الحضور الكلمة، وإذا به يتقدم باقتراح يناشد فيه إدارة المهرجان عرض الأفلام المشاركة في الدورة على شاشة التليفزيون المحلي للدولة التي تستضيف المهرجان، بحجة توسيع قاعدة المشاهدة، والوصول بالأفلام إلى جميع المواطنين، ويبدو أن المتحدث كان متأثراً في اقتراحه هذا بمهرجان يحمل شعار «القراءة للجميع» فأراد أن تكون «الأفلام للجميع» غير مستوعب أن ما يقوله يمثل جريمة «قرصنة» بكل المقاييس، لكن الأغرب في الواقعة أن الاقتراح لاقى قبولاً وترحيباً كبيرين من إدارة المهرجان، التي كلفت من جانبها صاحب الاقتراح بالتنسيق معها حتى تخرج الفكرة للنور!

Ad

ما الذي يعنيه هذا؟

يعني - ببساطة - أن إدارة المهرجان لا تستوعب خطورة حدوث أمر كهذا، ويعني - أيضاً - أن من حق موزعي الأفلام العربية والأجنبية أن يتخذوا الإجراءات القانونية ضد المهرجان، في حال اكتشفوا أن الأفلام عُرضت عرضاً عاماً على شاشة التليفزيون، ويتهمون إدارته بـ «السطو»، والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، ووقتها سينصفهم قانون حماية الملكية الفكرية، وسيصدر حكم رادعٌ لصالحهم قد يُسفر، وهذا هو الاحتمال الأكبر،عن تشريد القائمين على المهرجان، وإغلاق أبوابه بغير رجعة،فلا الجهة المنظمة ولا إدارته سيملكان القدرة، ولا الأموال، ليتمكنا من تسوية القضايا المُعلقة أو دفع الأموال المُستحقة، بعدما غاب عنهم أن الأفلام تشارك في المهرجانات لأهداف ثقافية في المقام الأول، وإذا أرادت إدارة أي مهرجان أن تتربح من ورائه، ومن الأفلام المشاركة، فإن عليها أن تحصل على الحقوق بشكل قانوني، ولا تلجأ إلى مثل هذا النوع من الجرائم التي يرتكبها القراصنة وحدهم !

جهل بالقانون أم استهانة به باعتبار أن المهرجان يُقام في دولة تنتمي إلى «العالم الثالث»، الذي يشهد استباحة أي شيء؟ فالواقعة «المحتملة» تحدث بالفعل على أرض الواقع، وتتكرر كل يوم على شاشات القنوات الفضائية المتخصصة في السينما،التي «تخصص» بعضها في السطو على الأفلام،والاستعاضة عن النسخ الأصلية بنسخ مُقلدة عبر أقراص الـ D.V.D،التي تٌشيع أشكالاً من التلوث البصري المرضي، وأنواعاً من التلوث الصوتي المُزعج، في تكريس صارخ للفوضى، وتجاهل كامل للقوانين، وازدراء واضح لأصحاب الحقوق، الذين يفاجأون بأفلامهم وهي تُعرض على الشاشات من دون إرادة منهم أو موافقة، ولو ضمنية،وإذا تحركوا لإثبات «الجريمة» أو تقدموا ببلاغات قانونية،وشكاوى رسمية،للمطالبة بحقوقهم، تُقابل بالتجاهل، ويُلقى بها في الأدراج، في حين تتحرك الجهات المعنية، وعلى رأسها أكبر جهاز في الدولة،بشكل عاجل للغاية،إذا كان الأمر يتعلق باعتداء أو سطو على مصنف فني «أميركي»،فتبدأ «عملية» ملاحقة «القراصنة»، وتقتفي آثار جرائمهم، وسرعان ما تُعلن على الرأي العام أنها نجحت في القبض عليهم أو إغلاق مواقعهم الإلكترونية التي تُستخدم في «القرصنة»،وهو ما يعني أن القانون موجود، وسلاح الردع جاهز، لمن تسول له نفسه الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، لكن أحداً لا يُفعَل القانون أو يُشهر سلاح الردع إذا كان الأمر يتعلق بجريمة ارتكبت في حق مصنف فني مصري أو عربي تعرض للسطو أو «القرصنة»، وهو ما دفع الكثيرين للظن أن الدول العربية تُطبق قانون حماية الملكية الفكرية حماية للمصنفات الفنية الأميركية وحدها!

لقد شهدت مصر تجربة فريدة عندما استهل الباحث والمخرج السينمائي د. مدكور ثابت فترة ولايته الأولى كرئيس للجهاز المركزي للرقابة على المصنفات الفنية بوضع دراسة وافية استهدفت تغيير مسؤوليات واختصاصات الجهاز ليصبح معنياً بحماية الملكية الفكرية بدلاً من ملاحقة المصنفات الفنية، والاهتمام بإجازة عرضها أو منعها، وعلى الرغم من أهمية الدراسة المتكاملة،التي كان يمكن في حال العمل بها وتطبيقها،أن تحقق هدفين استراتيجيين مهمين، أولهما التخفيف من غلواء وتوحش واستفحال الرقابة، والإلغاء الفعلي لدورها المقيد للإبداع، والمُكبل لحرية المبدعين، وثانيهما تفعيل قنون حماية الملكية الفكرية، بحيث يُسهم في توثيق المصنفات الفنية المصرية، وتصنيفها، ودفع الأذى عن أصحابها،إلا أن د.مدكور ثابت غادر منصبه كرئيس لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية من دون أن تخرج دراسته للنور، ربما لأنها استهدفت حماية المصنف الفني المصري، وساوت بينه وبين المصنف الأميركي.. وفي ما يبدو فإن هذا غير مطلوب!