حسافة على الديرة
كارثة حين يتنحى حكم القانون جانباً ليحل مكانه الهوى السياسي، وتتكيف الوقائع، لا حسب مبادئ الاستقرار القانوني وهذا عماد الدولة وضمان حريات وحقوق الافراد، بل حسب الضغط السياسي وعواطف الجمهور. يبقى وضع المتهم بالإساءة إلى الرسول في يد القضاء حين يكيف واقعة الاتهام بوصفها الصحيح ومواد القانون التي تنطبق عليها، كما تنص تلك المواد ذاتها لا كما تطرح نفسها رغبات الانتقام والثأر على غير حكم القانون وعلى غير مقاصد الشرع، وحتى يصدر القضاء حكمه النهائي ويصير عنواناً للحقيقة كما يقول القانونيون، يفترض العدل والمساواة في معاملة ذلك المتهم أو أي متهم آخر خلال فترة السجن الاحتياطي بإيمان مطلق بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم نهائي.
واقعة الاعتداء على المتهم بالإساءة للرسول كما أخبرني بعض المهتمين بحقوق الإنسان ليست كما صورتها إدارة السجون ونشرت في الجرائد بتسطيح وتسخيف موضوع الاعتداء على حياة المتهم، وتصوير الأمر كأنه "هوشة" مساجين وانتهت بكدمات بسيطة، ولم تكن محاولة قتل وشروع به سببها إهمال، إن لم يكن غير ذلك، من القائمين على السجن، فالمتهم نقل قبل يومين من الاعتداء عليه من عنبره في السجن المركزي إلى عنبر أمن الدولة، ثم أحضرت إدارة السجون المتهم الآخر بالاعتداء عليه في الليل ووضعته في العنبر ذاته مع أن الأخير ليس من المتهمين بقضايا أمن الدولة حتى يوضع في ذلك العنبر! وهو محكوم عليه - كما أخبروني- بجريمة قتل وهرب إلى العراق وأفرج عنه هناك ليقبض عليه من جديد، هنا يفترض بإدارة السجون وهي العالمة بتاريخ وسوابق المساجين، أن تدرك أنه لم يكن من المناسب زج كلا المتهمين في عنبر واحد، وحدث أن قام المتهم الأخير فعلاً بالاعتداء باستعمال ما يسمى في ثقافة السجون بـ"سكين محلي"، وحاول نحر المتهم بالإساءة للرسول، فهل كان هذا ينفذ إرادة النواب المشرعين بمجلس نواب الأمة حين ثاروا للتهمة وتم سلق عقوبة الإعدام بالمداولة الأولى وبجلسة واحدة، وهذا ما يمكن تسميته بالإرهاب التشريعي، أم كان ممثلاً لرغبات الجمهور الغاضب من تهمة الإساءة... هل انتهينا الآن كي نجني عطاء حكم الأغلبية وتهاون الأقلية؟ أم أننا الآن وبعد أكثر من خمسين عاماً على إقرار المؤسسات الدستورية في الدولة من دستور وتشريعات عقلانية وسلطة قضائية قد استقر في يقين السلطتين التشريعية والتنفيذية أنه لم يعد هناك مكان لشكليات القانون والإجراء الواجب، ولا حكم لغير حكم الثارات الشخصية والتصفيات الطائفية! يا حسافة على الديرة فقد أتلفوها.