فتنة بحجم كارثة
الفيلم المسمى بـ"براءة الإسلام" الذي أثار كل هذه الضجة والعنف في المظاهرات التي حاصرت السفارات الأميركية في مصر واليمن وليبيا، ولم يكتف فيها المتظاهرون بالصراخ والشتم والتنديد، بل امتد العنف ليحرق السفارة كلها من بعد نهبها طبعاً، وهو الأمر الذي يخالف هدف المظاهرة ذاته، والذي كان من نتائجه موت السفير المسالم الصديق لليبيا، الذي ساعد على تحريرها من السلطة القمعية للقذافي، وأدى الأمر أيضاً إلى قتل دبلوماسيين من أعضاء السفارة معه بدون أي ذنب لهم سوى أنهم يمثلون البلد الذي جاء منه هذا الفيلم، ولم يعرف حتى الآن الجهة الحقيقية التي قامت بإنتاجه، وإن كان هناك أسماء لأفراد ولجهات وأغراض متعددة قد طرحتها وسائل الإعلام، لكن إلى الآن لم تتضح الجهة والطرف المسؤول عن حقيقة واقع هذا الفيلم الذي هو فتنة بحجم كارثة قادرة على إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة لو قُدر له الانتشار الكامل الذي يغطي عدد القارات الخمس بمسلميها البسطاء غير القادرين على امتلاك إنترنت لمشاهدة الفيلم الذي يسخر من نبيهم ويحرف قرآنهم، فهل نتخيل ماذا سيحصل لو وصل هذا الفيلم إلى كل مسلمي الكرة الأرضية الذين لم يصلهم هذا الفيلم بعد، والذين يمثلون ربما 90 في المئة من الذين لم يشاهدوه حتى الآن، فيلم عبارة عن قنبلة قادرة على الانفجار أكثر مما حصل الآن فقط لو وجد من يلعب باقتدار وقدرة ملغمة بالمكر والدهاء السياسي المصلحي، الذي يلعب بفتيلها ويشعله بحسب ما تريده وترغبه منافعه ومصالحه السياسية والاقتصادية المطلوبة والمرجوة منها. الفيلم المنتج بإنتاج هزيل رغم أنه قد كتب عن أموال كثيرة جُمعت من اليهود لإنتاجه، كما روج أيضاً أن هناك أطرافا عربية تقف وراء إنتاجه، ولكن مع كل هذا الكلام عن تلك المبالغ المادية الضخمة المزعومة التي صُرفت عليه، يبدو أنها ليست إلا كذبة لا تملك لها أي مستند أو واقع، فالفيلم هزيل وضعيف بإنتاجه وبإخراجه وبتمثيله، وهدفه الحقيقي ترويج الكذب والافتراء على نبي الإسلام والسخرية من أهداف رسالته، وتحريف معاني القرآن والتشكيك فيها، وانها ليست إلا جمعا قام به النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" من الكتب والتراث العالمي ممن سبقه.
الفيلم سيئ ورديء إلى أقصى حد، وأهدافه وأغراضه الحقيقية لئيمة وخبيثة جداً وتجرح وتؤلم قلب كل مسلم، وهو المقصود من إنتاج هذا الفيلم الذي يفش غل قلوب الناس الكارهة للإسلام، الذي بات يتمثل بهذا العنف الإرهابي الذي يهدد حياتهم وسلامة وجودهم في مستقبل بات الإرهاب الإسلامي المتشدد يتحكم فيه، ويغير من شكل وعادات ومصائر علاقات البشر الإنسانية التي كانت أبسط وأسهل وخالية من النوايا التشكيكية، والخوف الرافض للآخر والمترصد له بكل أشكال الاحتراز. ومهما تعددت واختلفت أسباب ودواعي إنتاج هذا الفيلم السرية منها والمعلنة، خصوصا في هذا التوقيت الذي يصاحب هذه الثورات العربية التي لم تأت بالثمار المرجوة منها إلى الآن، والتي راحت على طبق من ذهب في جيوب جهات التيارات الإسلامية التي قطفتها من أصحابها وتركتهم يندبون ثورة سُرقت منهم على عجل، فإنه في هذا التوقيت يأت هذا الفيلم ولابد أن تثار الأسئلة، وأن يُبحث عن الأسباب المخبأة خلفه. لكن في حقيقية الأمر، فإن المسؤول والمتسبب في دواع إنتاج هذا الفيلم التطرف الإسلامي المتشدد، الذي ربى أجيالاً من الشباب الذين لا يعرفون التسامح الديني المبني على احترام الآخر الذي له كل الحق في رأيه ومعتقداته، مما أنتج هذا العنف الإرهابي الذي باتت تخافه وتكرهه الأمم الأخرى، والذي بات فيه الدين الإسلامي "بعبعاً" يفسر ويتم تأويله بحسب الأهواء والمصالح بدون أي اعتبار للآخر. نحن الآن نقطف ثمار ما دُرس وعُلم من عدم قبول الآخر ومعاملته بالإيذاء والعنف الذي ارتد علينا بإيذاء مثله وعدم احترام الآخر الذي هو نحن. فالغرب احترم كل العقائد والأديان وحتى الحكم والأقوال وجدت لها مكانا وصدى عندهم، والذي بات يستشهد بأقوال أشخاص عاديين مثل مارتين لوثر وغاندي ونيتشه... إلخ، فهل من المعقول ألا يفرد مساحة لقبول أفكار ومعاني رسالة نبينا الكريم؟ تشدد وتطرف الإسلاميين هم من آذوا رسولنا الكريم وهم المسؤولون عن مثل هذا الفيلم.