دعوهم يتنفسوا بحرية
ستدخل حكومة الشيخ جابر المبارك التاريخ من أوسع أبوابه، إذا قررت اليوم أن ترتدي الزي الحضاري الديمقراطي، وتركت الجماهير تسير في تجمعات سلمية وتمارس حقها في التعبير عن رفضها الصوت الواحد، مثل ذلك القرار لو حدث سيعد نشازاً في تاريخ السلطة السياسي الحافل بقمع الرأي الآخر تحت ذرائع الأمن والنظام والمصالح العليا وحكم القانون، فكل تلك التبريرات السابقة لم تعد تجدي نفعاً، ولم تعد بضاعة قابلة للاستهلاك في الحراك السياسي اليوم، فهي منتهية الصلاحية بنهاية الممارسة الفردية في القرار السياسي في أجزاء كبيرة من المنطقة العربية. ديفيد هيرست كتب في الغارديان البريطانية أن التظاهرات في الكويت تشي بالروح الحقيقية للربيع العربي، فالمتظاهرون لم يخرجوا من أجل تغيير النظام، ولا يمكن وصف حركتهم بالتمرد، ولم يكن الجوع والفقر يدفعانهم للخروج، فالكويت من أغنى دول المنطقة العربية، هم يطالبون فقط بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي في ممارسة حق عدد من سيصوتون لهم في الانتخابات، هم يرفضون أن يفرض عليهم رأي من السلطة.في مثل الحالة الكويتية الرافضة نتعلم أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وأن أموال عوائد النفط يمكنها أن تشتري الكثير، لكنها لا تستطيع شراء كرامة البشر دائما. وهذا برأي الكاتب جوهر ما يحدث الآن في الكويت.
لم تعد الأزمة الكويتية مسألة خاصة بالدولة، ولم تعد سياسة ضرب المتظاهرين المسالمين مقبولة، فوسائل الإعلام الأجنبية تتحدث عنها، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية شجبت كل ممارسات القمع الماضية، ولتتذكر السلطة بأن كويت اليوم ليست كويت 89 و90 أيام ضرب تجمعات دواوين الاثنين التي كانت أسمى عملية رفض مسالمة للنهج السلطوي بحل مجلس 85 وفرض مجلس "خيال المآتة" الوطني، الذي سيعود للحياة كـ"الزامبي" في الانتخابات القادمة لو قدر لها أن تصير بالصوت الواحد.الحل الوقتي الآن كي لا ننجرف نحو الهاوية هو أن توسع السلطة صدرها قليلاً للمسيرات والتجمعات الشبابية، وأن يفتح في ما بعد باب الحوار الهادئ لقيادات المعارضة مع السلطة لننتهي بتوافق سياسي يخرجنا من عنق الزجاجة الذي وضعت به الدولة، فالأزمات لا تحل بالقنابل الدخانية ولا بالعصي الأمنية، وليقل المتزلفون ما يشاؤون في نعت حركة شباب الرفض، قولوا إنهم قبليون، ومحافظون ورجعيون وإن الإخوان يحركونهم، يبقى أن يتذكر السائرون في ركاب قافلة الرأي السلطوي أن هؤلاء الشباب كويتيون، وأنهم أبناء الكويت في النهاية وهم مفخرة لنا.