مؤلم جداً أن تكون مشاريع الاتحاد أو الكونفدرالية مجرد أداة إعلامية ينفخ فيها بين فترة وأخرى بحسب التقلبات الإقليمية والتهديدات الخارجية، فحكومات الخليج تعرف حق المعرفة أن لا أرضياتها التشريعية ولا أنظمتها السياسية ولا درجات الانفتاح الاقتصادي فيها تسمح بأي نوع من الاتحاد الحقيقي فيما بينها.

Ad

حتى لا يتحول الحلم الخليجي إلى كابوس، وحتى لا تتبدد الطموحات والتوقعات الشعبية إلى مجرد أضغاث أحلام، ورأفة بحال هذه الأمة يفترض أن تُلغى فكرة الاتحاد الخليجي من الأجندة الرسمية لمجلس التعاون إلى أجل غير مسمى!

نعم كانت الشعوب الخليجية ولا تزال تنتظر المزيد من قادتها وعلى مدى ثلث قرن من الزمن خصوصاً ما يتعلق بمشاريع التنمية والتكامل الإقليمي لتجسد حقيقة الوحدة الخليجية على الأرض وليس بالشعارات والخطب الرنانة.

وكان من الأفضل أن تعترف القيادات السياسية منذ البداية بخطوطها العامة حول ما تريده فعلاً من أوجه التعاون أو الاتحاد، رغم درايتها بأنها محدودة، وعلى ضوئها كان يفترض أن تحدد الخطوات العملية والبرنامج الزمني لترجمتها فعلياً، وأن يعلن بأن سقفها كان مجرد السفر بالبطاقة الشخصية!

فكم من المشاريع التكاملية، وأقلها الصناعات النفطية التي تشترك فيها دول الخليج من مصاف أو مشتقات بترولية دشنتها بشكل جماعي، وكم من الأفكار التنموية كالصناعات التحويلية والخدمات والموانئ والمدن الطبية أو غيرها أسستها دول مجلس التعاون خلال الثلاثين عاماً الماضية؟

في الحقيقة، وهذا مؤلم جداً، أن تكون مشاريع الاتحاد أو الكونفدرالية مجرد أداة إعلامية ينفخ فيها بين فترة وأخرى بحسب التقلبات الإقليمية والتهديدات الخارجية، حيث أصبحت الشماعة الإيرانية في الآونة الأخيرة هي مصدر هذه التصريحات!

فحكومات الخليج تعرف حق المعرفة أن لا أرضياتها التشريعية ولا أنظمتها السياسية ولا درجات الانفتاح الاقتصادي فيها تسمح بأي نوع من الاتحاد الحقيقي فيما بينها، ناهيك عن عدم توفر الإرادة الحقيقية والحادة لمثل هذه المجازفة، فجميع دول الخليج تعيش على برك نفطية تدر عليها الخير والثروة بلا عناء، وكل قيادة فيها تستمد قوتها من الآبار الخاصة بها، ولا يمكنها التفريط فيها لأي سبب من الأسباب.

أما في البعد الشعبي، فما زالت مفاهيم السيادة والخصوصية للدول تتمتع بالقوة بل إن حالات الانفصال وتقسيم الدول القائمة أصبحت هي الموضة السياسية عند بعض الشعوب في الألفية الثالثة لدرجة أنها باتت تشكل قلقاً متزايداً في العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.

لذلك، فإن فشل الإعلان عن الاتحاد الخليجي، وحتى الاتحاد بين البحرين والسعودية من جانب الدولتين لم يأت من الخارج وإنما من الصميم الداخلي، حيث كان هناك فيتو عماني وتحفظ كويتي - إماراتي، إضافة إلى الاعتراض الشعبي البحريني وهو أهم مكون لأي مشروع وحدوي، ورغم تأجيل مثل هذا الإعلان فقد يكون من الصعوبة والإحراج إعادة طرح هذا الطلب في القمم القادمة لأن ذلك قد يتسبب في نكسة وليس وحدة خليجية، لأنه من غير المستبعد أن تنسحب بعض الدول من منظومة مجلس التعاون في حال إعلان أي اتحاد ثنائي.

إن مشاريع التكامل الإقليمي، سواءً في أوروبا أو في منطقة الآسيان أو «النافتا» بين القارتين الأميركيتين، قد تأسست على مبادئ التعاون الاقتصادي وليس الأمني، فالظروف الأمنية ممكن أن تتبدل أو تزول، وبالنسبة لدول الخليج فهي تحت مظلة الحماية الدولية بقيادة الولايات المتحدة، ولم تتكبد هذه الدول حتى عناء تطوير جيش نظامي تكاملي منسجم ما بين الكويت وعمان مروراً ببقية الشريط الخليجي.

فعلى دول الخليج، بدلاً من التصريحات الكبيرة، أن تهتم بتهيئة شعوبها لبقية القرن الحادي والعشرين وهو عصر السرعة الفائقة في المعلومات والتكنولوجيا وتطور الخدمات والحريات السياسية، بعيداً عن شعارات الوحدة الوهمية!