بعيداً عن الكلام العام وما نقرأه من شعر ونثر تأثراً بالموجة التي تجتاح المنطقة، وهي ستصل حتماً إلى الشرق البعيد وإلى روسيا، وخلافاً لِمنْ يحاولون ركوب هذه الموجة فإن ما تجب معرفته تحديداً هو ماذا يريد هؤلاء وبخاصة في الأردن، حيث هناك تعددية حزبية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وحيث هناك صحافة إلكترونية وورقية تسرح وتمرح كما تشاء وكما يشاء أصحابها، وحيث هناك محطات فضائية وإذاعات "عائلية" تصدح ليلاً ونهاراً بلا حسيب ولا رقيب، وتقول ما لا يقال حتى في أكثر دول العالم حريات عامة وبحبوحة ديمقراطية! كانت البداية في الأردن في عام 1989 حيث جرت العودة إلى المسيرة الديمقراطية، التي كانت عطلتها عقليات الانقلابات العسكرية أكثر من ثلاثين عاماً، ثم تتابعت بين نجاحات وإخفاقات إلى أن تمت في هذا العام والعام الماضي تحولات في غاية الأهمية، إن لجهة إجراء تعديلات على الدستور شملت أكثر من أربعين مادة من مواده، وإن لجهة إنشاء المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات... ثم أخيراً وليس آخراً إقرار "البرلمان" لقانون الانتخابات الجديد الذي لابد من الاعتراف بأن فيه عيوباً لابد من إصلاحها في المستقبل، لكنه في كل الأحوال يشكل خطوة مهمة مقارنة بالقوانين السابقة وأكثرها سوءاً قانون عام 1989 الذي كان "شوربة" ديمقراطية لا مذاق لها، والذي يريد الإخوان المسلمون إجبار الشعب الأردني على العودة إليه، من خلال التصعيد السلبي وافتعال الأزمات تأثراً بما يفعله هناك "إخوانهم" في مصر. لكن مع ذلك ورغم كل هذه الإنجازات الإصلاحية التي تحققت في الأردن بناءً على ما كان بدأه في عام 1989 وما تحقق منذ ذلك الحين حتى بداية هذه الألفية الجديدة، ورغم أنه لم تسقط قطرة دمٍ واحدة في نحو عامي "الربيع العربي" فإن الأردنيين، وفي مقدمتهم الملك عبدالله بن الحسين، يرون أن كل هذا مجرد بداية، وأنه لابد من المتابعة والاستمرار حتى الوصول إلى مستوى الديمقراطيات الأوروبية العريقة. ولهذا فإننا نسأل هؤلاء الذين، رغم كل هذه الإنجازات التي يجب عدم الاكتفاء بها والتي لابد من استمرار البناء عليها، لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، عمّا يريدون، وهل المقصود هو أن يُسلِّم الأردنيون ذقونهم لـ"الإخوان المسلمين"، الذين هم جمعية غير مسجلة وحزب لا وجود له في الملفات الرسمية وليس مُرخصاً، والذي يمتلك حزباً آخر هو حزب جبهة العمل الإسلامي، مع أن القانون النافذ يمنع الازدواجية التنظيمية بين أي حزبٍ وأي حزب آخر، وأن يرفعوا أيديهم أمام ابتزازهم ويسلموا بما يريدونه وبما يسعون إليه؟ إن هذه قضية، أما القضية الأخرى فهي أن عجير الديمقراطية في الدول العربية كلها في زمن الربيع العربي، هذا الذي نفتخر ونفاخر الغرب به، لا يمكن حصاده بمنجل واحد، فرغم كل هذه السمات العامة، إنْ بالنسبة للشعوب وإن بالنسبة للأنظمة، فإن لكل بلد عربي وضعه التفصيلي الخاص وتجربته الخاصة وسماته المجتمعية التي تختلف كثيراً أو قليلاً عن سمات مجتمعات الدول الشقيقة الأخرى، فالكويت غير السودان، والأردن غير سورية، ولبنان غير مصر، والجزائر غير المغرب، وموريتانيا غير اليمن... وغزة غير الضفة الغربية، والعراق غير تونس.
Ad