لم يعد هناك أي مبرر لتأخير الاتفاق على تشكيل حكومة سورية "انتقالية" مؤقتة تضم تيارات المعارضة الرئيسية وفي المقدمة منها الجيش السوري الحر، الذي هو بدوره لابد من توحيده وإخضاعه لقيادة واحدة وقيادات ميدانية فاعلة ومسيطرة، وذلك لضبط الأمور وإدارة الصراع مع هذا النظام الظالم، الذي لجأ في الفترة الأخيرة إلى رفع وتيرة التصعيد، وبات يستخدم كل ما يملكه من قوة عسكرية بما في ذلك الطائرات الحربية المقاتلة التي كان لها الدور الكبير في ارتكاب مذابح الأيام الماضية، وأبشعها وأكثرها دموية مذبحة دوما في ريف دمشق.

Ad

ربما كان التلكؤ في تشكيل الحكومة الانتقالية المؤقتة، التي كانت منذ البداية مطلباً ملحاً للشعب السوري ومطلباً لكل الدول العربية وغير العربية المساندة للثورة السورية، مبرراً ومقبولاً في البدايات، أما وقد اتخذ الصراع مع نظام بشار الأسـد هذا المَنْحى الذي اتخذه فإنه لم يعد مبرراً ولا مقبولاً أن تبقى المعارضة بشقيـها العسكري والمدني مبعثرة على هذا النحو، وبات لازماً الإسراع في تشكيل مثل هذه الحكومة التي من المنتظر أن تكون هناك اعترافات بها من قبل العدد الأكبر من الدول الغربية المؤثرة، ومن الدول العربية التي لم تعد قادرة على التعاطي مع هذا النظام، ولم تعد قادرة على احتمال كل هذه المذابح وكل هذه البشاعات التي يقوم بها.

وهذا يقتضي أن تترفع تشكيلات وتيارات المعارضة عن أنانياتها وعن نزعاتها الاستفرادية، فالوحدة بعدما تمادى نظام بشار الأسد في استخدام القوة المفرطة الغاشمة، غدت ملحَّة وضرورية، وغدت مطلباً وطنياً وقومياً، والوحدة دائماً وأبداً تحتاج إلى تنازلات وتضحيات متبادلة، وتحتاج إلى الاتفاق على برنامج الحد الأدنى، وبرنامج الحد الأدنى هو رفض أي حلٍّ لا يؤدي إلى التغيير من قمة الهرم إلى قاعدته، وهو أن الفترة الانتقالية هي فترة تمهيدية للمباشرة فوراً بعد التخلص من هذا النظام بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع لصياغة حياة سياسية عصرية جديدة على أنقاض ما بقي سائداً منذ بدايات ستينيات القرن الماضي على مدى نصف قرن وأكثر، ودفن تجربة الحزب الواحد والقائد الاوحد إلى الأبد.

إن المعروف في ظل حالة التشتت هذه التي تعيشها المعارضة السورية والتي هي مثلها مثل غيرها قد فوجئت بتحول انتفاضة درعا إلى هذه الثورة الكاسحة العارمة أن التوحيد ليس سهلاً ولا هيناً، فهناك أمزجة متعارضة، وهناك ارتباطات متضادة، وهناك نزعات استفرادية لا يمكن إنكارها، وهناك أيدٍ كثيرة تمتد من الخارج، لكن رغم هذا فإنه لابد من أن تكون هناك تضحيات وتنازلات متبادلة، ولابد من احتواء هذه التعددية التي وصلت إلى حد التشرذم في إطار وطني عام، فالوضع السوري في ضوء هذا المنْحى الخطير الذي اتخذه الصراع لم يعد يحتمل هذه الحالة السائدة الآن، وهنا فإنه على قوى المعارضة أن تدرك أن مسيرة التاريخ في منطقتنا وفي العالم كله قد شهدت فشل ثورات كثيرة، لأن النزعة الاستئثارية والاستفرادية قد استبدت بقواها التي تمسكت بأنانياتها، وبقيت تغلب الخاص التنظيمي والشخصي على العام الوطني.

إنه لا يجوز للمجلس الوطني ولا لغيره أن يصدر شهادات وطنية بالنسبة لمن انشقوا عن هذا النظام متأخرين، فهؤلاء لهم ظروفهم، وهؤلاء ضحوا بمواقع هامة جداً واختاروا الانحياز إلى شعبهم وعرَّضوا أهلهم وأقاربهم للانتقام الشرس وبطش "الشبيحة" والأجهزة الأمنية، ولذلك فإن من حقهم أن يأخذوا المواقع التي يستحقونها إنْ في الحكومة الانتقالية التي يجري الحديث عنها وإن في مسيرة الشعب السوري عامة، ولذلك أيضاً فإن من حق هذا الشعب ألا يُحرَمَ من خبرات هؤلاء سواء الآن في هذه اللحظة الحرجة أو في المرحلة الانتقالية أو عندما تبدأ عملية البناء التي هناك أمل واقعي بأن تكون قريبة.