في أول حوار يُدلي به عبد الستار فتحي عقب تكليفه بالقيام بمهام رئيس الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية في مصر،عقب انتهاء مدة انتداب د. سيد خطاب، وامتناع وزير الثقافة المصري عن التجديد له لمدة ثلاث سنوات أخرى، توقعت أن يكون «الرئيس المُكلف» أكثر حصافة ورصانة واتزاناً، ويُدرك أن حديثه مُسجل ومرصود، وأن كل ما يقوله من وجهات نظر محسوب عليه.

Ad

لكن «المُكلف بتسيير المهام»، والذي طالما جأر بالشكوى من تخطيه، وتجاهله، عند اختيار رئيس الجهاز، رغم أحقيته بالمنصب كونه أحد «أبناء الرقابة»، حسب قوله، صدمني، ولا بد من أنه صدم الكثيرين غيري، عندما قال إن الأفلام، التي طُرحت على خارطة أفلام عيد الأضحى المبارك، والتي أجيزت دون أي ملاحظات تُذكر، على حد قوله، هي «أفلام عبيطة تتشاف مرة واحدة وتتنسي بعد ما تشوفها».

خطورة ما قاله «الرقيب العام» أن رأيه المناهض للأفلام، ووصفها بأنها «عبيطة»، يُخل بمقتضيات واجبه الوظيفي، الذي يفرض عليه أن يكون مُحايداً، كما أنه يُدخل نفسه، والرقابة، في أزمات، وعداوات، مع أصحاب هذه الأفلام اعتماداً على أن قانون الرقابة لا يسمح لها، بأن تتحول إلى منصة لإطلاق الأحكام النقدية، مثلما لا يترك لها أن تُصبح قاعدة لإعلان الأراء التي تختلط فيها مهام الوظيفة مع المزاج الشخصي للرقباء... ورئيسهم.

المثير للدهشة أن «فتحي»، الذي بدا مرتبكاً، وكأنه لا يصدق أنه سيتولى المنصب، في حال صدور قرار تعيينه بشكل رسمي، أعلن ما يمكن أن نُطلق عليه «استراتيجيه» الرقابة في الفترة المقبلة، فهو القائل، بفخر، أن «الشيء الخارج بالنسبة إلى الرقابة أصبح يتعلق بالفكر لا الألفاظ»، بما يعني أن الرقابة ستغض الطرف عن الألفاظ القبيحة، والعبارات الخارجة، وكل ماله علاقة بالهبوط والترخص والابتذال، وتتربص، فقط، بالأفكار، والمواقف السياسية، وهو المعنى الخطير الذي يتأكد بقوله: «لم يعد شيئاً فظيعاً أن يظهر جزء من صدر على الشاشة» في حين يهدد ويتوعد بالويل والثبور «في حال وجود أي عمل يهز الوحدة الوطنية أو يضر بالأمن العام».

في ظل هذه «الاستراتيجية»، التي تبيح «الخروج اللفظي» ولا تسمح بأي «تحرر فكري» يعترف الرجل الموعود بمنصب رئيس الرقابة، من دون خجل أو محاولة لتبييض وجهه، بأنه صاحب وجهة النظر الرافضة لإجازة فيلم «لا مؤاخذة»، الذي أصبح «تانية إعدادي»، للمخرج عمرو سلامة، عقب قراءة السيناريو، وإبداء ملاحظات عليه، وهدد في حال عدم التزام المؤلف بأنه «لن يجيز السيناريو مهما حدث»، وأكد، مرة أخرى، بأنه «لا يوافق على فكر يريد أن يضر بالوحدة الوطنية، وسيناريو عمرو سلامة يضرب الوحدة الوطنية لكنه سيعيد النظر فيه من باب الرحمة».

اعترافات «الرقيب العام المحتمل» تتواصل، وتبلغ مداها من الإثارة، بقوله إنه رفض بشكل نهائي سيناريو فيلم «تحت النقاب» عندما عُرض عليه، لأنه يُعمم، حسب قوله، فكرة أن «كل سيدة ترتدي النقاب هي بالتأكيد سيئة جدًا، وتصرفاتها غير لائقة»، ولما كانت الرقابة قد أجازت السيناريو أخيراً، بعد قيام المؤلف علي عبد الغني بإجراء عدد من التعديلات على  السيناريو، كما قام بتغيير اسمه ليصبح «خلف الستار»، فهذا معناه أن «تحت النقاب» أفلت، بأعجوبة، من قبضة «الرقيب العام الجديد»، وإلا ما كان ليرى النور في عهده.

«إذا أعطيت كل صاحب فكر الحق في أن يقول مايشاء على اعتبار أنها وجهة نظر، فلماذا أعترض على فيلم «البورنو»، وهو فكرة أيضاً؟».

هكذا قال الرجل الموعود بمنصب رئيس الرقابة من دون أن يتحرك له جفن، أو يؤنبه ضمير؛ فالرجل يرى أنه لا فارق بين الفكر والعهر، وبين الفن والدعارة، وبين «صاحب وجهة النظر» و{منتج أفلام البورنو»، بما يعني أنه في حال توليه المنصب ستشهد الرقابة في عهده أسوأ أشكال المصادرة وتعقب الفكر، الذي لا يعترف به، لكنه يستشعر خطورته، وسيسعى بكل ما أوتي من قوة إلى ملاحقته وإجهاضه.

أهذه هي مواصفات الرجل الذي نأتمنه على منصب خطير وحساس بهذا الشكل؟

قال «أرسطو»: «تكلم حتى أراك»، ونصحنا «الفلاسفة» بأن ننصت للحكماء بتقدير واحترام أما الذين لا يُحسنون الكلام والتعبير السليم، ومن في قولهم إساءة لأنفسهم أو للآخرين، فحريٌ بهم الصمت، كما قالوا فى الأثر: «عقل المرء مخبوء خلف لسانه، فإن تكلم بخيرٌ فهو عاقلٌ، وإن تحدث بغير ذلك فهو سفيه أحمق»... وأستطيع القول إنني أدركت الآن السر وراء تجاهل واستبعاد عبد الستار فتحى من موقع رئيس الإدارة المركزية للمصنفات الفنية طوال الأعوام السابقة، وعرفت أيضاً لماذا لم يتسلم حتى الآن خطابًا رسميًّا من وزارة الثقافة يفيد بتكليفه بالمهمة الجديدة.