حتى لو غضب الإخوان المسلمون، سواء في مصر أو في الأردن أو في كل مكان، فإن الانتقاد لهم سيستمر، والوقوف لهم بالمرصاد سيتواصل، وعدم السكوت عن أي هفوة من هفواتهم، وما أكثر هفواتهم، لن يتوقف، وكل هذا لأنهم باتوا يتصدرون المرحلة المستجدة في هذه المنطقة كلها، ولأن أي خطأ في حساباتهم سينعكس على كل الأوضاع العربية، ما دامت رئاسة مصر أصبحت في أيديهم، ولأن مصر صاحبة التأثير الأكبر على الوضع العربي كله. نحن نعرف أن قول كلمة الحق صعبة جداً هذه الأيام، حيث إن مهرجانات وإفطارات التزلف هي البضاعة الرائجة، وهذا كما يبدو هو ما يريده الإخوان المسلمون، الذين بعد كل ما يعتبرونه انتصارات لهم وليس لشعوبهم غدوا يتصرفون كمن وجد لؤلؤة على قارعة الطريق، فذهل بها وفقد صوابه وبات يمشي في الأرض مرحاً وعلى رؤوس أصابع قدميه، ولم يعط لنفسه فرصة ليتأكد ما إذا كان ما وجده لؤلؤة حقيقية بالفعل أم أنه مجرد زجاجة مزيفة سيكلح شكلها خلال أيام قليلة. كان على "الإخوان"، وهذه ليست موعظة فهم أهل المواعظ والخطب والمحاضرات، بعدما انتهى "الأمر" إليهم في مصر ألا يسارعوا إلى حلقات ذكر وإنما إلى جلسات مراجعة ليتعرفوا على الأسباب التي أدت إلى، إن لم يكن انهياراً، تراجع الحركة القومية، فـ"الشقي من اتعظ بنفسه"، وكان عليهم أن يتجنبوا أي محاولة أو مسعى لاحتكار الحكم، على غرار ما فعلته أنظمة الانقلابات العسكرية، وأن يُظهِروا أنهم لم يمضوا ثمانين عاماً وهم يتضورون جوعاً للسلطة، وكان عليهم ألا يصيبهم الانتصار الذي حققوه، سواء في غفلة من الزمن أو نتيجة لمسار الأحداث على مدى أكثر من نصف قرن، بعمى الألوان وعدم التمييز بين من ينتقدهم، خوفاً من أن يقعوا في ما وقع فيه من سبقهم، فتواجه شعوبنا تجربة مرة جديدة، وبين من يتملقهم منافقاً لـ"يتعكَّز" عليهم لاعتقاده أنهم البقرة الحلوب في هذه المرحلة. على سبيل المثال ألم يخطئ محمد مرسي خطأ فادحاً بحق الشعب المصري عندما امتنع، مع أن المفترض أنه رئيس مصر كلها، عن المشاركة في جنازة عمر سليمان، الذي يعترف غالبية المصريين بوطنيته وإخلاصه لمصر، وأنه إذا بقي على اتصال مع الإسرائيليين فلأن هذا ما تقتضيه المصلحة الوطنية المصرية أولاً، ولأن هذا ما تقتضيه مصلحة القضية الفلسطينية التي هي مصلحة عربية ثانياً، والمعروف أن عقيدة المخابرات المصرية في عهد هذا الرجل، الذي بقي يعمل بصمت وبمثابرة، كانت ولاتزال أن العدو هو إسرائيل، وأن المواجهة مع الدولة الإسرائيلية هي الرئيسية والأساسية، وأن باقي ما تبقى من تعارضات يمكن إدراجه في إطار الصراعات الثانوية، والمعروف أيضاً أن طريق حتى حركة حماس الإخوانية، ممثلة في الشيخ الجليل خالد مشعل، غدت سالكة مع الإسرائيليين وآمنة! كان يجب أن يشارك محمد مرسي في جنازة عمر سليمان مادام أصبح رئيساً لمصر كلها ورئيساً لشعب مصر، ومادام المفترض أنه قد تحرر من "حزبيته" الضيقة ومن وصاية المرشد الأعلى عليه، ومن فكرة أن "الإخوان" فوق الجميع، وأن مصالحهم فوق مصالح الوطن، مادام ثبت أن الفهم "الإخواني" هو نفس فهم المتحدرين من رحم الانقلابات العسكرية، والذين بقوا يتصرفون على أساس أنهم الوطن وأنهم الدولة وأنهم الأمة، وأنه لا مصلحة فوق مصالحهم، وأن البلاد يجب أن تكون مزرعة لهم ومرتعاً لمحاسيبهم وأزلامهم وللمطبلين لهم. إن ما فعله محمد مرسي برفضه المشاركة في جنازة عمر سليمان، التي كانت مناسبة وطنية لكل مصر ولكل شعب مصر، تثبت أنه لايزال يعيش في القوقعة "الإخوانية"، وأنه لم يتخلص من الدائرة الضيقة التي كان يحشر نفسه فيها، وأنه لم يصبح رئيساً لأكثر من خمسة وثمانين مليون مصري، وهذا سينعكس على الإخوان المسلمين في كل مكان، إذ إن ما حدث شكّل مثلاً سيئاً لعلاقة الناس بتيار الإسلام السياسي، الذي أكد من خلال ما فعله الرئيس المصري الجديد أنه لايزال عقلية احتكارية وفئوية ضيقة، وأنه لا يختلف عن كل الأحزاب التي انفردت بالسلطة في العديد من الدول العربية.
Ad