يجب أن نتخلص أخيراً من العواطف الخارجة عن السيطرة التي تفسد حياتنا في أغلب الأحيان. هذا ما تعد به تقنية «التحديد الحسي للمخاوف اللاوعية». يمكن تجاوز مشاعر التوتر مثلاً خلال مؤتمر أو اختبار في الجامعة. لكن لا علاقة لهذه الحالات، إذا كانت عابرة وطبيعية، بمشاعر الكبت أو حالات الرهاب التي تمنعنا من السفر أو إلقاء خطاب في العلن.

Ad

 لأجل التخلص من بعض المشاكل التي تعقّد حياتنا، وجدت إحدى النساء أن الغوص في هذه التقنية العلاجية سيكون أمراً مثيراً للاهتمام على أمل حل مشاكلها نهائياً. في ما يلي تجربتها الخاصة:

قبل يوم من الجلسة الأولى، طلبت مني المعالِجة تحديد ذكرى معينة لاسترجاع اللحظة التي شعرتُ فيها بخوف شديد، ذلك لضمان فاعلية العلاج. بعد أن وصفتُ لها حدثين أو ثلاثة حيث امتنعتُ عن الظهور علناً بسبب خوفي من التحدث أمام الحشود، قررنا الانطلاق من برنامج تلفزيوني كنتُ قد شاركتُ فيه قبل بضعة أشهر، مع التركيز تحديداً على لحظة الهلع التي أفسدت التجربة كلها: بعد تركيب الميكروفون، تسارعت نبضات قلبي وشعرتُ بانسداد في حلقي وتعرّقت يداي...

في اليوم التالي، رحّب بي اختصاصيو تقنية «التحديد الحسي للمخاوف اللاوعية» بحرارة في المركز الذي شهد أول جزء من جلسة العلاج. جلس الحاضرون بكل ارتياح حول المعالِجة، وكنا نصغي إليها وهي تتحدث عن أصل هذه التقنية التي ابتكرها لوك نيكون. كان هذا الأخير يحاول تبديد توتر أحد طلابه عبر تمرين معين. فطرح عليه هذا السؤال البسيط: «ما الذي يحصل داخل جسمك؟». بعد الإجابة عن هذا السؤال ووصف العوارض، شعر الطالب باسترخاء تدريجي. اليوم، ارتفع عدد الأشخاص الذين يخضعون لهذا النوع من العلاجات وتُقارب التجارب الناجحة نسبة المئة في المئة. اعتبرت المعالِجة أن تقنية «التحديد الحسي للمخاوف اللاوعية» ترتكز على فكرة أننا نحاول دوماً فهم مشاكلنا فكرياً مع أن أحاسيسنا فحسب تستطيع إيصالنا إلى أصل مخاوفنا الكامنة.

ماذا يحصل داخل جسمي؟

بعد انتهاء هذه الفقرة النظرية، يتقدم كل فرد من أعضاء الجماعة (يتراوح عمرهم بين 25 و45 عاماً) ويتشارك مع الآخرين خوفه أو أي شعور جامح يريد التخلص منه. تحدث البعض مثلاً عن العجز عن القيادة على الطريق السريع، أو الخوف من الفراغ، أو مواجهة الصراعات، أو حالات الغضب الجنونية، أو فقدان الصبر مع الأبناء وضربهم أحياناً قبل الشعور بالندم، أو الاستياء العارم والجنوني من الزحمة...

بعد تلك الاعترافات، حان وقت تطبيق تقنية «التحديد الحسي للمخاوف اللاوعية» عبر التمرين التالي: خلال خمس دقائق، يجب أن نعيد إحياء الحالة التي تحدثنا عنها في داخلنا مع إطلاق العنان لعواطفنا وطرح هذا السؤال: «ما الذي يحصل داخل جسمي؟». يجب ألا يقاوم المشاركون في هذه الجلسة العوارض الجسدية التي قد تظهر، بل أن يكتفوا بتدوينها ومراقبة تطورها إلى حين اختفائها بالكامل.

لكن على أرض الواقع، لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة إلي. خلال المحاولة الأولى، لم أتمكن من تذكر حالة الهلع التي أصابتني في استوديو التصوير. فشرحت لي المعالِجة بأن الأمر لا يستلزم استرجاع الذكرى الماضية في وقت حصولها بل يجب عيش تلك اللحظة مجدداً. في المحاولة الثانية، نجحتُ في ذلك. من خلال تصوّر ذلك المشهد، شعرتُ بثقل التوتر في بطني ثم تسارع نبضي. شعرتُ بأن راحة يدي تتلقى شحنات كهربائية. بعد ذلك، تسلل شعور بالحر إلى حلقي الذي أصبح مسدوداً، ثم وصل ذلك الشعور سريعاً إلى رأسي قبل أن يعود ويختفي. حين فتحتُ عينيّ، شعرتُ بتعب خفيف ولكن ممتع.

النجاح في إبطال المشكلة

عبّر المشاركون عن مشاعرهم على التوالي. نجح البعض في تجاوز مشاعره الجامحة، فأكدت له المعالِجة بأنه أبطل المشكلة. في ما يخصني شخصياً، اعتبرت المعالِجة أنني أحتاج إلى تكرار التمرين مجدداً نظراً إلى التخبط الذي عشتُه في البداية. ينطبق الأمر نفسه على الأشخاص الذين لم يتوصلوا إلى النتيجة المنشودة.

بعد استراحة صغيرة، عدنا للبحث عن ذكرياتنا الحسّية. أغلقتُ عينيّ مجدداً وغصتُ في ذلك الموقف. شعرتُ ببرودة في ظهري ونبّهتني المعالِجة إلى أنني سأدخل في الحالة الصحيحة خلال دقائق. لكن هذه المرة، لم أشعر بأي ثقل في بطني ولم تتسارع نبضات قلبي ولم أشعر بالانزعاج في حلقي. أعلنت لي المعالِجة بأنني على الطريق الصحيح. شعرتُ بالارتباك ولكنني كنت متأكدة من أنني أشعر بارتياح أكبر.

أوشكت الحصة على الانتهاء. بعد كتابة تقرير عن تلك التجربة، مع التركيز على مختلف الخطوات التي شملتها التقنية، عيّنت لنا المعالِجة موعداً بعد شهر. اقترحت علينا أن نبقى على تواصل معها خلال هذه الفترة وطلبت منا بعض الفروض: يجب أن نتمرن على التخلص من مخاوف أخرى إذا وُجدت. بعد بضعة أيام، كنت أستعد لإلقاء كلمة في مكان عملي وكنت مسترخية أكثر من العادة. سأبالغ إذا قلتُ إنني شعرتُ بهدوء داخلي تام. لكن عند قراءة أول نص لي أمام المشاركين، تفاجأتُ بنفسي لأنني نجحتُ في الكلام بوضوح من دون الارتجاف الذي يصيني في كل مرة. لا يزال إيقاع كلامي سريعاً بعض الشيء ولا يعلو صوتي بالقدر الذي أريده. لكني أبليتُ حسناً ولم أشعر بالخيبة مثل كل مرة.

بعد مرور شهر...

يركز الموعد الثاني على التأكد من قدرتنا على تجاوز المخاوف الأخرى بأنفسنا. تهدف تقنية «التحديد الحسي للمخاوف اللاوعية» إلى توفير العناصر الأساسية التي تسمح بتطبيق التقنية بشكل ذاتي بعد انتهاء التدريب.

 كانت تلك الجلسة مناسبة كي يستعرض المشاركون تطورات الشهر الأخير. تحدث المشاركون عن تجاربهم وقد حققوا نجاحات متفاوتة كلٌّ بحسب حالته. أنا تجاوزتُ خوفي من إلقاء الخطابات العلنية، ونجحتُ أيضاً في ركوب الطائرة من دون أن أزعج زوجي بتذمري ومن دون أن أبكي عند أول مطب هوائي!