رؤية الذات

نشر في 29-06-2012
آخر تحديث 29-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. محمد لطفـي "إن الرؤية العادلة للذات أمر يصعب على الحكماء والفلاسفة. يستحيل على الأفراد العاديين، فالإنسان إما أن يبالغ في تقدير ذاته فينسب إلى نفسه ما لم يفعله أو يبالغ في أثر أعماله الطيبة أو يبرر لنفسه أعماله الخاطئة، وإما أن يجحف نفسه حقها فيقلل من قيمة أعماله الجيدة أو ينكر ما فعله أو ينظر لما فعله بمنظار أسود".  د. أحمد أمين.

*** يسعد الإنسان كثيرا بحب الآخرين له وتزداد سعادته كلما كان هذا الحب مكللا بالتقدير والاحترام، ولكن هل سأل الإنسان نفسه لمَ يحبني الآخرون؟ ولمَ يقدرني أصدقائي؟ وما سبب هذه المكانة التي أحظى بها في نفوس زملائي؟ غالبا لا يسأل الإنسان نفسه هذا السؤال، ولا يفكر فيه، فالمهم ما وصل إليه ومكانته بين الجميع. كما أن سؤاله لنفسه عن سبب هذا الحب قد يفقده جزءا منه، فقد يتبين أن الحب والتقدير ومكانته بين الآخرين يشوبهما ما ينقص قدرهما، كالنفاق أو المجاملة أو العطف... إلخ. فتهتز صورته أمام نفسه، ويفقد ثقته بمن حوله؛ لذلك فغالبا لا يسأل نفسه ولا يبحث عن سبب، وقد اعتدنا أن الوضع الجيد جيد في ذاته أيما كان سببه، ويكتفي بالإحساس بالسعادة والفخر لما هو فيه، ولكن لنفترض أنه سأل فما الإجابة؟ قد تكون الإجابة في صورة صفات له؛ مثل أنه طيب أو حنون أو شهم محب للخير... إلخ. وهذه الصفات تمثل ما يطلق عليه مقومات الشخصية، وإن فقد الإنسان إحدى هذه المقومات فسيؤدي بالضرورة إلى فقدان جزء من هذا الحب والتقدير، وكلما زادت المقومات المفقودة أو كان تأثيرها كبيراً قلّ حب الآخرين وتقديرهم وإعجابهم واحترامهم له. وبالتالي يمكن القول إن نظرة الآخرين ليست بالشيء الثابت أو الجامد، بل هي علاقة متغيرة ترتبط بالمتغيرات التي تطرأ على الإنسان ذاته، ومن أهم المقومات التي تحدد علاقة الإنسان بمن حوله "الاستقلالية" بمعنى عدم احتياجك للآخر، فكلما قلّ اعتماد الإنسان على من حوله اقتصاديا أو اجتماعياً أو معنوياً فإنه يكسب الكثير من الحب والتقدير والعكس بالعكس.  فيجب على الإنسان أن يفكر ملياً إذا أجبرته الحياة على الاعتماد على غيره والتخلي عن استقلاليته، وعليه ألا  يفكر فقط في مدى استفادته من الآخر، ولكن في تأثير ذلك في شخصيته ورؤيته لذاته. هناك رأي آخر تلخصه عبارة واحدة "الإنسان محتاج لحد يحتاج له"، بمعنى أن الإنسان يحتاج أن يشعر بقيمة وجوده، ومدى نفعه وفائدته لغيره من خلال احتياج الآخرين إليه، وبين الرأيين يبقى التساؤل قائما: هل يفقد الإنسان جزءاً من مقومات شخصيته باعتماده على الآخرين؟ وهل يؤثر ذلك في علاقته بهم؟

وكالعادة للشعراء رأي في رؤية الإنسان لذاته نوجزه في قول الإمام البوصيري:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

 

وقال آخر:

 

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه

فكن طالبا لنفسك أعلى المراتب

 

وعن استقلالية الفرد يقول الشاعر:

 

لا تكن طالبا لما في يد الناس

فيروغ عن لقاك الصديق

إنما الذل في سؤالك للناس

ولو في سؤالك أين الطريق

 

ويقول شاعر الصوفية:

 

لا تسأل بني آدم إن طلبت حاجة

واسأل الذي أبوابه لا تغلق

فالله يغضب إن تركت سؤاله

وبني آدم إن سألته يغضب

 

ونختم بقول الشافعي:

 

ولا ترين الناس إلا تجملا

نبا بك دهر أو جفاك خليل

back to top