معرض الكتاب ونتاج الشباب!
لفت نظري في معرض الكويت للكتاب لهذا العام في دورته (37)، زيادة عدد الشباب الكويتي المتلهف على الكتاب قراءةً ونشراً. وإذا كنتُ فرحاً بالتفات الشباب للقراءة فإن فرحتي بالكتابة الشبابية تبخّر جلها بمجرد قراءتي لبعض صفحات من الكتب التي وقعت بين يدي. تفاجأت بجمل ركيكة، وأغلاط إملائية ونحوية ظاهرة، يصعب قبولها من فتاة أو شاب يقدم نفسه كاتباً يخوض في بحر الكتابة الواسع، ويصعب أكثر قبولها من دار نشر محترمة تدرك المسؤولية الثقيلة لمن يرتضي لنفسه أن يكون ناشراً!العالم يعيش عصر العولمة حيث أصبح من السهل على كل حالمٍ بإصدار كتاب أن يرى حلمه متحققاً، بأقل الأثمان وكأسرع ما يكون. لكن هناك تكلفة باهظة الثمن تنتظر وتترصد الكاتب الشاب، وأعني بذلك تقييم جمهور القراءة لكتابه الأول، ناهيك عن تقييم النقّاد.
إن على الكاتب الشاب أن يتسلح بمعارف أساسية لا يمكنه الخوض في عالم الكتابة بدونها. فالطريق الأساسي لولوج عالم الكتابة لابد أن يمر عبر القراءة، والقراءة الأدبية المتعمقة على وجه الخصوص. فلا يشترك كتّاب العالم الأهم إلا بأنهم قراء نهمين صادقوا القراءة طوال أعمارهم، وكانت القراءة على الدوام البستان الأحب إلى نفوسهم، الذي يتزودون منه بزاد الكتابة.الأمر الثاني المهم للكاتب الشاب هو علاقته وإتقانه للغة التي يكتب فيها كلمةً ونحواً وصرفاً. فلا يمكن لصانع أن يبدع في صنعته وهو جاهل بأسرارها وعماد بنائها. فالصانع الماهر يخجل ويأبى على نفسه أن يرسل بضاعته ناقصة وباهتة اللون! ثالث العناصر الأساسية التي يلزم أن يقف أمامها الكاتب الشاب هو أن يدرك إدراكاً واضحاً وظيفة الفن الاجتماعية، وأنه أحد أهم المؤثرات في تشكيل وعي الشعوب، وبالتالي فإن نشر أي كلمة هو مسؤولية كبيرة، تبدأ لحظة النشر ولا تنتهي حتى بموت الكاتب. ويكون للكاتب الشاب هدف بيّن، وطموح واضح لما تصبو إليه نفسه من وراء النشر. فأي فعل إنساني دون هدف هو ضرب من العبث، ومؤكد أن الكتابة، والكتابة الإبداعية الإنسانية تحديداً لا تحتمل عبثاً، ولا يمكن أن تمنح نفسها، وتبوح بأسرارها إلا لمن يتخذ منها درباً لعمره.كنتُ ولم أزل شغوفاً بتشجيع ورعاية الشباب في بداياتهم، وتقديم كل ما يمكنني لهم، لكنني شغوف أكثر بالتواصل مع كاتب شاب يحترم الكلمة، ويعدّ لها عدتها، ويستصعب القفز فوق أسسها.إن الكويت أحوج ما تكون لأصوات شبابية مبدعة، في الشعر والقصة والرواية، تستطيع أن تكون لسان حالها في القادم من الأيام، وتستطيع تمثيلها في المحافل الدولية العربية والعالمية. وتقف باقتدار إلى جانب أي نتاج عربي مبدع. ففي زمن الفضاء المفتوح صار القارئ العربي يقرأ لكل الكتّاب العرب، ولا يعترف إلا بالمبدع المدهش والمتميّز لغة وموضوعاً، والقادر على تقديم فنٍ فيه من الأصالة والخصوصية بقدر ما فيه من الطرح الإنساني.صناعة المبدع واحدة من أكثر الصناعات الثقيلة في العالم، لأن الأدباء وحدهم هم الوجه الأكثر إشراقاً في تاريخ الأمم، ونحن في الكويت بتنا في أمس الحاجة الى جهود مخلصة للأخذ بيد جيل من أبناء الكويت الشباب الطموح. فما يقدمه جمع كبير من الشباب في كتاباتهم يفتقد إلى الأساسيات في الكتابة والإبداع، ويشير إلى ضرورة النصح لهم، وضرورة مصارحتهم بمستوى كتاباتهم المخجل، فالمدح المجاني البعيد عن الموضوعية للكاتب الشاب هو أقرب إلى قتله. كما أن الحاجة تبدو ضرورية وملحة لوجود ورش فنية متخصصة لمختلف أجناس الإبداع، يتخرج منها الشباب وهم أشدّ عوداً وأقدر على السير في طريق الإبداع.