لم أكن أحلم أو أتخيل أن مكاناً واحداً سيجمعني يوماً و»السندريلا» سعاد حسني (26 يناير 1943-21 يونيو 2001)، وزاد تشاؤمي بعد الأزمة التي واجهتها في أعقاب عرض فيلم «الدرجة الثالثة»(1988)، والفشل الذريع الذي مُني به، وأشيع أنه تسبب في اعتزالها.
ومع مطلع التسعينيات تواترت أنباء كثيرة عن عودة الفتاة التي كانت حلم كل مراهق، في فترة الستينيات، إلى الأستديوهات لتصوير فيلم سينمائي جديد، وتصور فصيل كبير من المصريين، وأنا من بينهم، بأنها «شائعة» جديدة تنضم إلى طوفان الشائعات التي اجتاحتنا منذ اعتزالها وواجهتها بالنفي القاطع لقرار عودتها.وحدثت المفاجأة، وتأكد أن سعاد حسني عادت فعلاً، وأنها تصور فيلماً بعنوان «الراعي» مع المخرج علي بدرخان،. وأبلغني الأستاذ عبد الرحمن سلام مدير مكتب مجلة «فن» اللبنانية في القاهرة، وهو بالمناسبة شقيق المطربة الكبيرة نجاح سلام، بأنها وعدت في حال عودتها إلى الساحة الفنية بإجراء حوار خاص مع المجلة، وجاءت اللحظة لتنفذ الوعد الذي قطعته على نفسها.في تلك الفترة، التسعينيات، كنت أحرر باباً بعنوان «العرض القادم» ألقي فيه الضوء على الأفلام التي يجري تصويرها، وأدين له بالفضل في توسيع دائرة علاقاتي بغالبية العاملين في الوسط الفني، واندماجي في تجربة «صناعة الفيلم السينمائي»، وكأنني أحد عناصرها، وبناء على هذا شددت الرحال مع مصور المجلة، رحمه الله، إلى مدينة الفيوم (92 كيلو متراً جنوب غرب القاهرة)، وهناك عرفنا أن سعاد حسني تصور في منتجع سياحي يحمل اسم «بانوراما شكشوك»!فور وصولي، في الرابعة عصراً تقريباً، بحثت عنها وقدمت لها نفسي ودعتني لمشاركتها تناول الطعام والبطاطا المقرمشة التي كانت تفضلها، ولم أكن في حاجة لأستشعر منذ الوهلة الأولى أن وزنها زائد بشكل ملحوظ، وأنها تعاني متاعب صحية بسبب آلام العمود الفقري أصابتها بشراهة عصبية، نهم زائد للطعام، وكأنها تحاول أن تنصرف عن مرضها وتشغل نفسها بالتركيز في شيء آخر. وكانت متاعبها محل تقدير وإشفاق من المخرج علي بدرخان الذي أكبر فيها تضحيتها بالوقوف أمام الكاميرا، على رغم محنة مرضها، فكان يحنو عليها ويدللها وكأنها طفلته الصغيرة، ويسعى جاهداً إلى احتواء غضب أحمد زكي الذي كان منزعجاً كثيراً بسبب تأخرها عن موعد التصوير!مر الوقت سريعاً وأنهيت تغطيتي الصحافية لفيلم «الراعي»، الذي اختير له في ما بعد عنوان «الراعي والنساء»، وكدت أفقد الأمل في إجراء الحوار مع «الأسطورة»، ومع هذا كنت مستمتعاً بالاقتراب منها، ووجدتني منشغلاً بمتابعتها وهي تتحدث بخفة ظل لم تغب عنها وتواضع لم يفارقها، على رغم إرهاقها. وفجأة لمحتني، وكنا قد تجاوزنا «الفجر» بقليل، وتساءلت مندهشة: «انت لسه هنا يا «طيب»؟، فقلت لها بإصرار خجول: «سأغادر بعد الانتهاء من الحوار»، ولا أعرف ما الذي استوقفها في إجابتي، لكنها التفتت متساءلة: «انت ليه مُصر على إجراء هذا الحوار؟». فقلت لها بسرعة، ومن دون تفكير: «كيف أكون في حضرة سعاد حسني، وأتواجد معها في مكان واحد، من دون أن أحلم بالجلوس معها ومحاورتها؟».كانت في طريقها إلى غرفتها، وعلى غير توقع غيرت مسارها، وطالبتني بأن أرافقها إلى مطعم المنتجع، ولم يكن قد بدأ العمل فيه بعد. وعلى إيقاع «الأطباق»، التي بدأ العمال رصها على موائد الطعام استعداداً لتوافد النزلاء لتناول وجبة الإفطار ونغمات «الملاعق» وهي تصطك بقطع «السكاكين»، أسرعت بإخراج جهاز «الكاسيت» وبدأت في تجهيزه خشية أن تتراجع. وبحدسها المعروف لمحتني وقالت بحنو بالغ: «مستعجل ليه... لسه عندنا وقت؟». ولم أوافقها الرأي؛ فقد اعتراني إحساس بأن الوقت ليس في صالحي، وأن «القيامة الآن»، وإذا لم أستثمر «النفحة السماوية» التي لن تتكرر ثانية سأندم طوال عمري... وستكون «نهاية العالم»، وهو ما حدث بالضبط. ففي أعقاب انتهاء «السندريلا» من تصوير الفيلم سافرت إلى لندن في رحلة علاجية طويلة، بدأتها يوم (الأربعاء) الموافق 16 يوليو من عام 1997، وانتهت بفاجعة؛ فمع الساعة التاسعة من مساء يوم (الخميس) الموافق 21 يونيو من عام 2001 سقطت، أو أسقطت، من شرفة الشقة رقم (6A) في الطابق السادس من مبنى «ستيوارت تاور»... وظلت وفاتها لغزاً يستعصى على الفهم حتى يومنا هذا. وللحديث عن «السندريلا» بقية.
توابل - سيما
السندريلا في بانوراما شكشوك
02-07-2012