حروب هذا الزمان مدمرة لا تبقي ولا تذر، ويبدو لي أن البعض لا يدرك هذه الحقيقة، ومازال يعيش زمن السيف والسهم والمبارزة العضلية، وإلا ما قام بأي تصرف لدعم حرب أو استدعاء حرب.
المفترض أننا في هذه المنطقة المهمة من العالم، بسبب مخزون النفط، فهمنا وأدركنا مقاصد الدول الكبرى من إثارة الفزع في دول المنطقة، وخلق "البعبع" تلو الآخر، من أجل استعادة كل ما يدخل ميزانياتنا من دخل النفط.ويفترض أننا استفدنا من دروس الماضي، ورأينا كيف تحطمت جيوش العراق وإيران وضاعت على البلدين والدول المجاورة آلاف الملايين من الدولارات ومئات الآلاف من البشر، وتهديم ما صنع وبني في عشرات السنين، ليعود المتحاربون بعد أن خسروا كل شيء ولم يستفيدوا قيد أنملة لمحاولة النهوض مرة أخرى وتعويض ما خسروه.ورأينا وسمعنا كيف تم تشجيع الأطراف كافة في ذلك الوقت على الحرب، تماماً كما يحدث الآن، فالبعبع الجديد هو المشروع النووي الإيراني، ومطلوب أن نستعد لمواجهة هذا الخطر بإنشاء أو شراء مشروعات مشابهة والاستعداد للحرب التي يدقون طبولها ليلاً ونهاراً حتى يتمكن الفزع منّا ونسلم بضرورة هذه المشروعات وشراء المزيد من السلاح، لكي نستهلك كل ما حصلنا عليه من دخل النفط، وربما لنقترض برهن ما تبقى في باطن الأرض، لنشتري ما أوهمونا أنه الحل الوحيد لمواجهة أخطار أشعلوها في أذهاننا وزادها ذلك الجهل من أطراف ترى في كل دعوة للحرب جهاداً يُدخل شهداءها الجنة، ولا يهم مَن يموت وما يدمر، ولا مصير كل بلاد المنطقة وشعوبها ماداموا قد ضمنوا الجنة!إن مشعلي الفتن داخل مجتمعاتنا من عناصر، تعرف أو لا تعرف ما تقوم به وما تتسبب فيه من أذى حالي وأذى أكبر في المستقبل، يخدمون، وعوا أو لم يعِوا، هذه الأهداف التخريبية، ويهدمون كل ما بنيناه وما نريد أن نبنيه لأبنائنا، وهم بجهلهم، أو بعلمهم، يخدمون من يدّعون محاربته ويعطونه المبرر لتدمير هذه المنطقة.متى يكون لدينا حكومات وأحزاب وسياسيون يفكرون ويعملون ويبادرون بحكمة إلى منع أي ابتزاز وخلق الأجواء المناسبة للتعايش بسلام؟ لماذا نتبع كالخراف جزارنا الذي يريد ذبحنا دون أن تكون لدينا القدرة والحكمة لمنع هذا المصير؟ هل من الصعب على دول المنطقة، بما فيها إيران، أن تتفق على منع الحرب وإعداد مشروع سلام شامل وخطة إنماء حقيقية للمنطقة؟ لو تحركت القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة في كل دول المنطقة وتعاهدت أن لا حرب ولا عدوان ولا تدخل في الشؤون الداخلية فيما بينها، وإنما عمل مشترك لتطوير اقتصادات هذه البلاد وإعداد مشروع للتكامل يستغل هذه الثروات لمصلحة التنمية والبناء وخلق قوة اقتصادية تغير مناحي الحياة كافة وتلحق منطقتنا بركب الحضارة والتقدم والصناعة والعلوم... أليس هذا أفضل لشعوب المنطقة؟من المؤكد أن هناك مستفيدين من دعوات الحروب، فلكل مصنِّع لأدوات الحرب وكلاء وسماسرة من كبار المتنفذين في كل بلد، لكن إذا أعلنت شعوب المنطقة وقواها السياسية والاقتصادية رفضها لكل أنواع الابتزاز وكل دعوات الحرب وبنت جسوراً متينة في العلاقة بينها تقوم على أساس السلام والعمل المشترك لمستقبل أفضل، فإن هؤلاء لن يجدوا من يستمع إليهم، ولا بد أن يقبلوا ما تقرره شعوبهم. وبدلاً من شراء الأسلحة وأدوات التدمير نستطيع شراء معدات وأدوات ووسائل البناء الحديث. إن مصانع السلاح يمكن أن تقفل أو تحول إلى مصانع لأدوات التعمير والارتقاء بالشعوب بدلاً من التدمير لو كان لنا موقف قوي وموحد.إن إعمال العقل مطلوب من الجميع، لأن غيابه لن ينتج عنه إلا ضياع كل ما بنيناه وربما ضياع المنطقة كلها... فهل من عودة إلى العقل؟
مقالات
مجنون من يسعى للحرب
08-05-2012