ما لا يعرفه كثيرون، وتصمت عليه الجامعة العربية كما تصمت المُغْتصَبة، هو أن النظام السوري رفض منذ اليوم الأول التعاطي والتعامل مع كوفي أنان على أنه مبعوث عربي، بالإضافة إلى أنه مبعوث دولي، ولهذا فإن رفْض استقبال ناصر القدوة في دمشق وعدم السماح له بدخول الأراضي السورية قد جاء على هذا الأساس، فهذا النظام كان أعلن أنه يرفض هذه الجامعة ويرفض أي تدخّل لها، وبأي شكل من الأشكال، في أزمة سورية التي وصلت بعد عام وأكثر إلى هذه الوضعية المعقدة.

Ad

كل المخاطبات والاتصالات التي أجراها نظام بشار الأسد مع كوفي أنان أجريت على أساس أنه مبعوث دولي فقط، وأن دمشق لا تعترف به كمبعوث عربي إلى جانب مهمته الدولية هذه، والمستغرب أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد قبِل هذه الوضعية، وأن الجامعة العربية قد قبلت هذه الإهانة، وأن أنان صمت على عدم السماح لنائبه ناصر القدوة بدخول سورية، وأن الجامعة العربية قد "بلعت" هذه الإهانة، ولم تعترض، حتى مجرد اعتراض، على عربدة الحكومة السورية.

كان على أنان أن يعرف أن عدم اعتراف النظام السوري به ممثلاً للجامعة العربية إلى جانب تمثيله للأمم المتحدة هو بمنزلة استهتار به وبمهمته وبالعرب والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وأن صمته على هذه الإهانة سيدفع هذا النظام إلى التمادي، وحقيقةً، فإن هذا هو ما حصل بالفعل، حيث مضت كل هذه الفترة الطويلة، بينما نظام دمشق يواصل تلاعبه الشيطاني بعامل الوقت ولم ينفذ ولو بنداً واحداً من البنود الستة المعروفة التي نصت عليها خطته التي بالإمكان الاعتراف الآن بأنها ولدت ميتة.

إنه لا يمكن فهم هذا الصمت المعيب على تصرفات هذا النظام، وعلى إهانته للعرب وللمجتمع الدولي، إلا على أنه إما إفلاس سياسي أو أنه تواطؤ مقصود مع نظام ثبت بعد مرور أكثر من عام على انفجار هذه الأزمة، التي غدت مستفحلة والتي دخلت دائرة الحرب الأهلية من أعرض الأبواب، وحقيقةً، فإن هذا وذاك يعنيان، وبخاصة بالنسبة للشعب السوري، أن هناك استسلاماً عربياً رسمياً واستسلاماً دولياً لما يريده بشار وما يسعى إليه.

عندما يقول الأمين العام للأمم المتحدة إنه لا بديل عن خطة أنان، وإنه لا يوجد أي خيار غير هذا الخيار، بينما يستمر نظام بشار الأسد في سياسة العنف الأهوج بحدوده القصوى ويرتكب كل هذه المجازر، الواحدة بعد الأخرى، فإن هذا معناه الاستسلام لإرادة هذا النظام، وهذا يعني رفع الأيدي عالية أمام حربٍ أهلية طاحنة المعروف أنها كانت قد بدأت رغم تحاشي حتى المعارضة الاعتراف بهذه الحقيقة المرة، كما أنه يعني سقوط نظرية "الحفاظ على عدم الاقتراب من هذه الأزمة" التي يبرر بها "المبعوث الدولي والعربي!" مواقفه المتخاذلة، والتي يبدو أن العرب لضعفهم وقلة حيلتهم قد قبلوها كخيار مفروض عليهم لا خيار غيره.