لم تعد الأهرامات العملاقة من عجائب مصر، فقد أصبحت من عجائب مصر القديمة! ولم يعد "أبو الهول" من عجائب مصر الجديدة، وإن كان كذلك، على مرِّ آلاف السنين في مصر القديمة، ولم يعد النيل "هبة مصر" من عجائبها، ولكن ظهرت في مصر بعد ثورة 25 يناير عجائب عصرية جديدة لها.

Ad

فمن عجائبها أن معظم المتحدثين- من الليبراليين خاصة- في البرامج التلفزيونية، والمقالات الصحافية المختلفة، يستكثرون على التيار الديني– الأصولي والسلفي- الذي يمثل أكثر من 60% في مجلسي النواب والشورى، أن يشكل حكومة مصر القادمة، أو أن يُرشِّح رئيساً للجمهورية كخيرت الشاطر مثلاً.

أليس من حق الأغلبية في الدول الديمقراطية الغربية أن تحكم، مهما كانت هذه الأغلبية متطرفة أو جانحة، ما دامت هذه هي إرادة الشعب الحرة الذي جاء بهذه الأغلبية؟

والشارع المصري شارع متدين، وفقير، وجائع، والتيار الديني خاطب هذا المجتمع بلغة دينية شعبية، ودفع له الملايين، وأطعمة لحماً، وسكراً، وزيتاً، واستطاع النجاح في الانتخابات التشريعية الأخيرة بمقاييس النزاهة العربية والدينية. إذن، الشعب المصري هو الذي جاء بأغلبية التيار الديني، ولا أحد غيره، وإلا، فمن أين جاء التيار الديني؟ هل جاءت به إسرائيل؟ أم جاءت به أميركا؟ أم جاءت به دول الخليج؟

لقد جاء هذا التيار من قلب الشعب المصري، وبإرادته الحرة، ومن خلال انتخابات نزيهة شهد بنزاهتها القاصي والداني، وكان تسلط الحزب الوطني و"عصابة مبارك"- كما يطلق عليها الآن- بعيدين عن تزوير هذه الانتخابات. فلماذا العجب؟

مصر تريد ما فعلت

كل ما سيفعله التيار الديني الآن، وما يطمح أن يصل إليه من سلطان وصولجان، كان يجب أن يكون معروفاً ومُدرَكاً، من قِبل الناخب المصري، الذي دفع بالتيار الديني إلى السلطة التشريعية، هذا الدفع القوي والهادر، ولكن التيار الديني بعد أن أمسك بوثوق بالسلطة التشريعية (مجلسا النواب والشورى)، يحاول أن يمسك بالسلطة التنفيذية، عن طريق محاولة سحب الثقة من حكومة الجنزوري، وتشكيل حكومة ائتلافية برئاسته، وبداعي أزمة السماح بسفر النشطاء الأميركيين. كما يحاول "الإخوان المسلمون"، الآن طرح مرشح جديد (ربما خيرت الشاطر) لانتخابات رئاسة الجمهورية، بعدما أعلنوا منذ أشهر مضت بألا مرشح لديهم، وليس في نيتهم خوض معركة رئاسة الجمهورية، ولكن "الإخوان" عادوا وقالوا في الأمس، بأن الظروف السياسية، والإقليمية، والدولية، قد تغيرت، وتبدلت، مما يوجب على "الإخوان" أن يغيروا ويبدلوا من خططهم السياسية تبعاً لذلك، ومنها نيتهم ترشيح ناشط منهم لانتخابات الرئاسة، وعدم الاكتفاء بدعم محمد سليم العوا، أو عبدالمنعم أبوالفتوح، أو غيرهما.

إذن، فالمشهد السياسي المصري الآن، هو مصري مئة في المئة، وعلى عكس المشاهد السياسية السابقة، سواء الملكية منها، أو الجمهورية.

فلا فرنسا أو بريطانيا، هي سبب ما يُطلق عليه البعض "كارثة" سياسية في مصر الآن، كما كان يحصل، ويقال، في العهد الملكي.

ولا أميركا، أو الاتحاد السوفياتي، أو إسرائيل، أو دول الخليج، سبب "تدهور" الحالة المصرية، سياسياً، واقتصادياً... إلخ.

وعلينا إن كنا عاقلين ومنصفين، أن نقول للشعب المصري: "يداكَ أوكتا وفوكَ نفخ". وما تلقاه الآن من كوارث وتدهور جلبته أنتَ بيدك، وفي يوم انتخابات مجلس الشعب، وأقبلتَ على هذه الانتخابات، كما لم تُقبل عليها في تاريخ مصر كله، منذ العهد الفرعوني، وقدمتَ للعالم العربي والغربي هذه النخب من التيار الديني (نسبة 60%) التي يهدرُ صوتها الآن، في مجلسي الشعب والشورى، والذي- التيار الديني- يسعى الآن، إلى الإحكام على حُكم مصر من خلال رئاسة مجلس الوزراء، ورئاسة الجمهورية، في ظل ضعف الأحزاب المصرية الأخرى، وتشتتها، ولا نملك إلا أن نقول مبروك ما دامت هذه هي إرادة الشعب المصري الحرة.

ولكن هل يعلم المصريون؟

- هل يعلم المصريون، أن "دولة الإخوان" الدينية- رغم نفيهم المستمر لكل هذا، فهم يتمسكنوا حتى يتمكنوا كما يقال– ستقيم الحدود الشرعية على الزاني، وشارب الخمر، والسارق، وكل من يرتكب معصية دينية. وأنها ستغلق بارات مصر ومشاربها، وستلغي جانباً كبيراً من الأنشطة السياحية، التي تعتبر مصدر الدخل القومي الأول؟

● وهل يعلم المصريون، أن "دولة الإخوان" الدينية– رغم نفيهم المستمر لكل هذا– لا تؤمن بالديمقراطية، وتعتبرها كفراً، ومن الكبائر. وتؤمن بمجالس الشورى فقط، كما أنها لا تؤمن بتداول السلطة. وكان هذا محل خلاف ونزاع كبير بينهم وبين مفكري مصر كخالد محمد خالد، وفرج فوده، وأمين الخولي، ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبوزيد، وغيرهم؟

● وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية– رغم نفيهم المستمر لكل هذا– ستفرض على كل النساء في مصر الحجاب فرضاً، ومن لا تلتزم فستُجلد في فضاء عام كميدان التحرير، كما تمَّ مع الفتاة السودانية، التي لبست الجينز، فجُلدت؟

وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية– رغم نفيهم المستمر لكل هذا– ستعامل أقباط مصر معاملة أهل الذمة؛ أي كمواطنين من الدرجة الثانية؟

● وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية سوف تلغي "معاهدة كامب ديفيد"، وتعيد حالة الحرب وويلاتها مع إسرائيل، إلى ما كانت عليه قبل 1973، وتعلن الجهاد الأكبر. وقد قال عصام العريان: "اتفاق السلام مع إسرائيل سيطرح على استفتاء شعبي في محاولة لإلغائه بشكل دستوري. أو التوجه إلى البرلمان لإلغائه. إسرائيل أيضاً تعرف، أننا لن نعترف بها". ("القدس العربي"، 4/2/2011). ومعنى هذا كله الحروب الجديدة مع إسرائيل؟

● وهل يعلم المصريون أن دولة الإخوان الدينية، سوف تقوم بتعديل المناهج الدراسية لزيادة المواد الدينية، وتنقيح المناهج بمبادئ وأفكار الإخوان منذ مئة عام حتى الآن؟

● وهل يعلم المصريون أن "الإخوان" في دولة الإخوان الدينية، سوف يصدِّرون نظام الدولة الدينية الإخوانية وأحكامها إلى العالم العربي، من خلال تنظيماتهم المنتشرة، في كل أنحاء الوطن العربي، مستغلين هشاشة الأنظمة، والأحزاب السياسية العربية القائمة؟

● وأخيراً، هل يعلم المصريون أنهم يعيشون الآن "الفوضى المدمرة"، التي أطلق صيحتها الفيلسوف والمفكر السياسي المصري مراد وهبة، حين أعلن أن مصر الآن في طور التفسُّخ، وأن علاج هذا التفسُّخ "الفوضى الخلاقة". وهي ليست "الفوضى الخلاقة"، التي قالت بها كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، ولكنها "الفوضى الخلاقة" التي تعني إعمال العقل، فإذا كانت "الفوضى المدمرة" تعني إبطال إعمال العقل، فالفوضى الخلاقة تعني إعماله. ويتابع وهبة قائلاً: "إلا أن هذه الفوضى بهذا المعنى ليس في إمكانها ممارسة إعمال العقل في مناخ أصولي يسود، ويحكم. ومن هنا يكون التحدي الذي يواجهه إعمال العقل هو منع الأصولي من السيادة والحكم، إلا أن هذا المنع ليس ممكناً إلا إذا أصبح المثقفون على وعي بأن رسالتهم هي الدعوة إلى تحقيق هذا المنع. ومن غير هذا الوعي، فإن المثقف يسقط في الوهم القائل بنظرية المؤامرة المدبرة من الخارج، وما يترتب عليها من وهم آخر وهو الغزو الثقافي، الذي من شأنه أن يلزمنا بالعودة إلى الماضي، ونسف المستقبل". ("فوضى مدمرة"، جريدة "المصري اليوم"، 24/3/2012)

وهكذا يمضي "الإخوان" في "الفوضى المدمرة"، وإن لم يفعل الإخوان كل ذلك، وإذا كان كل ذلك، أكاذيب ودسائس ضد الإخوان، فما معنى إذن، دعوتهم المستمرة ونضالهم الدؤوب، لإقامة دولة دينية، وتولي السلطة فيها؟

* كاتب أردني