سعى إلى حتفه بأنفه!
القرار الذي اتُّخذ بإرسال مراقبين إلى سورية، الذي احتفل به شبيحة النظام السوري وأعوانهم في الخارج، يشكل حلقة جديدة في سلسلة هذا الصراع الذي غدا منذ البدايات إقليمياً ودولياً قد تكون أخطر الحلقات على الإطلاق، فمهمة كوفي أنان أرادتها الدول التي وقفت وراءها "كميناً" لإيقاع بشار الأسد في المصيدة، وتوفير مبررات مقنعة لإجراء قد يتخذ الطابع العسكري، إن لم يكن من قبل مجلس الأمن بسبب "الفيتو" الروسي الجاهز دائماً وأبداً فمن قبل حلف الأطلسي، أو من قبل تركيا مدعومة بغطاء عربي على الأقل.الآن بعد هذا القرار تدنت إمكانية أن يستمر هذا النظام بألاعيبه ومناوراته السابقة المعهودة، ثم إن الأمر لم يعد كما كانت عليه المبادرة العربية وما كان عليه وضع المراقبين العرب، إذ بات محكوماً بقرار دولي وباشتراطات من الصعب التملص منها، تضمنتها النقاط الست المتعلقة بمهمة كوفي أنان، وهذا يعني أن القادم سيكون أعظم، وأن بشار الأسد سيكون أمام خيارين، إما الالتزام بكل هذه النقاط، وهذا يعني أن عليه أن يهيئ نفسه لوداع دمشق لا لقاء بعده، وإما اللجوء إلى المناورات التي بقي يلجأ إليها على مدى عام مضى وأكثر، فيكون هذا الخيار طامة كبرى عليه ويستجلب إجراءً عسكرياً هو يعرف، لأنه سعى إلى حتفه بأنفه، أن "سيناريوهاته" أصبحت جاهزة بكل احتمالاتها المتوقعة وغير المتوقعة.
لقد أصبحت سورية، بموجب هذا القرار، تحت الوصاية الدولية، ولعل ما يعرفه هذا النظام، الذي بقي يتحدث عن المعارضة على أنها عصابات مسلحة لا يمكن الاعتراف بها، أن موافقته على ما أقره مجلس الأمن بالإجماع تعني تسليمه واعترافه بوجود طرف آخر يسيطر على جزءٍ من البلاد، مما يعني الاعتراف بأنها غدت محكومة من قبل طرفين لا من قبل طرف واحد.ما كان على هذا النظام أنْ يلجأ إلى التصعيد منذ اللحظة الأولى وأن يتعامل مع الأمور بالطريقة التي تعامل بها الرئيس السابق حافظ الأسد مع تحركات "حماة" في عام 1982، التي بدلاً من استيعابها بـ"فَرْكةِ إذن" فقط، ذهب فوراً إلى الحد الأقصى فكانت النتيجة مذبحة أزهقت أرواح عشرات الألوف من الأبرياء ودماراً لا تزال آثاره ماثلة للعيان.وكذلك فإنه ما كان عليه، أي هذا النظام، أن يلجأ إلى المناورات والألاعيب لإحباط المبادرة العربية وإحباط خطوة المراقبين العرب لتكون النتيجة هذا القرار الذي أصبحت سورية بموجبه تحت الوصاية الدولية، وهو قرار إن لم يتم الالتزام به حرفياً فإن النتائج قد تكون تدخلاً عسكرياً ومناطق محمية، وبالطبع نهاية لحكم بشار الأسد الذي اعْتَقَدَ أنه باتباع درس "حماة" سيضمن سيطرة طويلة الأمد، وإيصال هذا الحكم الذي ورّثه إياه والده إلى ابنه حافظ "الصغير"... وعاشت الأسماء!.