يواجه الاتحاد الأوروبي بالفعل مخاطر كبيرة بشأن بنيته، والتعافي الاقتصادي غير المؤكد، واختلال التوازن بين الشمال والجنوب، والتضارب الوجداني البريطاني بشأن العضوية، والتعرض لنتائج سيئة في إفريقيا، يما تحمله من مشاكل أمنية لا تعد ولا تحصى، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.

Ad

إن قسماً كبيراً من إفريقيا شمال خط الاستواء ما زال يعاني العنف والقابلية للانفجار، ولم تسفر أمطار "الربيع العربي" عن إنتاج محصول جذاب من القادة والزعماء، ناهيك عن حصاد من الديمقراطية، بل إن الفوضى، وقطع الطريق، والإرهاب من قِبَل الجماعات التابعة لتنظيم "القاعدة" وجماعات أخرى طامحة، والتي استعرضت قوتها في حقول الغاز الجزائرية ومالي، ربما تتطور إلى أكثر من مجرد إزعاج قاتل.

ومع عزوف الولايات المتحدة بشكل متزايد عن الاضطلاع بدور شرطي العالم، في حين تعيد النظر في التزاماتها الاستراتيجية وتعمل على إعادة تنظيمها وتقليصها، فإن الدول الأوروبية- خصوصاً المملكة المتحدة وفرنسا، نظراً لتراجع ألمانيا عن المشاركة العسكرية- ستضطر إلى تحمل المسؤولية الرئيسة عن التعامل مع القضايا الأمنية في إفريقيا. ومما يدعو إلى التفاؤل في هذا السياق أن القوى الأوروبية أظهرت بوضوح بعض الاستعداد للقيام بهذا، وهو ما تجلى في تدخلها في ليبيا ومالي.

وهو أمر ملائم، لأنه حتى على الرغم من حفاظ الولايات المتحدة على اهتمامها القوي ومسؤولياتها في شمال إفريقيا (نظراً لعلاقة المنطقة بالشرق الأوسط)، فإن أوروبا أكثر تأثراً وبشكل مباشر بالأحداث الجارية في بقية إفريقيا مقارنة بالولايات المتحدة. ذلك أن أوروبا تعتمد على واردات الطاقة من المغرب، وقربها الجغرافي وعلاقاتها الاستعمارية في الماضي تجعل منها مقصداً، غير مُرَحِّب دائماً، للهجرة من إفريقيا. ونفس العوامل أيضاً تجعل أوروبا أكثر عُرضة للأنشطة الإرهابية الناشئة في إفريقيا.

كانت بريطانيا وفرنسا (بمساعدة إيطاليا وغيرها) في احتياج إلى الدعم القتالي من قِبَل الولايات المتحدة في ليبيا؛ ولقد طلبت فرنسا الآن هذا الدعم واستخدمته في مالي، ولكن الولايات المتحدة تخصص المزيد من مواردها لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما يعني أن القوى الأوروبية، التي تعمل تحت مظلة مناسبة، لابد أن تأخذ زمام المبادرة وأن تقدم القوى الرئيسة للعمليات القتالية العسكرية في إفريقيا.

ويتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً داعما، ولكن أي المنظمات ينبغي لها أن تتولى زمام القيادة؟ قد تكون السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي من بين المنظمات المحتملة. ولكن المجموعات القتالية التابعة للاتحاد الأوروبي، بأحجام تعادل حجم الكتيبة (1500 جندي)، والتي التزمت بها دول أوروبية مختلفة، موجهة في الأساس نحو عمليات الإغاثة الإنسانية وحفظ السلام. أما قوة الانتشار السريع المقترحة التابعة للاتحاد الأوروبي التي تتألف من ستين ألف جندي والقادرة على الاضطلاع بدور حقيقي في حفظ السلام (أو دور قتالي)، فإنها لا تزال فكرة على الورق. وفي الممارسة العملية، فإن حتى المجموعات القتالية ربما تحتاج إلى الدعم من حلف شمال الأطلسي (الولايات المتحدة في واقع الأمر).

في الواقع، أياً كان الدور الذي قد يلعبه التعاون الثنائي، فإن المنظمة فوق الوطنية الوحيدة القادرة على المشاركة في عمليات قتالية متواصلة هي منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهذه المظلة قادرة على توفير الأساس للحصول على الدعم من جانب الولايات المتحدة خلف قيادة أوروبية، كما حدث في ليبيا. ومن المرجح أن يتخذ دعم الولايات المتحدة في إفريقيا هيئة الجسر الجوي، فيوفر الخدمات اللوجستية، والتزود بالوقود في الجو، والاستخبارات، واتصالات القيادة والتحكم، والمراقبة (بما في ذلك استخدام الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار). وهذه الأصول أقل توافراً في المؤسسات العسكرية الأوروبية).

ورغم ذلك فإن هذه الأصول الأميركية المهمة، ولو أنها ليست متوافرة بسهولة، تظل واقعة تحت ضغوط شديدة، خصوصاً في أفغانستان، والشرق الأوسط، والخليج؛ لذا فإن أي ترتيب مع دول أوروبية (فرنسا والمملكة المتحدة غالباً) على استعداد لتولي زمام المبادرة في إفريقيا لابد أن يشتمل على التزام من جانب هذه الدول بزيادة حيازاتها من هذه المعدات.

إن الولايات المتحدة تخفض إنفاقها الدفاعي وتسحب قواتها البرية من أفغانستان، ومن المرجح أن تتجنب أي التزامات كبيرة بإرسال قوات عسكرية إلى إفريقيا. ومن الواضح أن الطبيعة الثانوية للدور الداعم للعمليات القتالية في إفريقيا تملي على الولايات المتحدة التخلي عن هيمنتها على عملية صنع القرار السياسي والعسكري في ما يتصل بعمليات التحالف، والتنازل عن قيادة الجبهة في إفريقيا (باستثناء الجزء الشمالي من القارة). ولكن رغم هذا، ولأن قدرات الدعم التي توفرها الولايات المتحدة ستكون حيوية وبالغة الأهمية بالنسبة إلى طبيعة ونطاق بعض العمليات، فإن الولايات المتحدة في الممارسة العملية سيكون لها صوت أساسي عندما تشارك فعلياً. وكانت العملية العسكرية التي قام بها التحالف في ليبيا مثالاً جيداً إلى حد معقول لهذا النموذج.

إن الشراكة الناجحة داخل أوروبا، وأيضاً بين أوروبا والولايات المتحدة، للتغلب على التطرف والإرهاب في شمال وشمال وسط إفريقيا، كفيل بتزويد الحلفاء بشعور بالهدف المشترك ونموذج للجهود الموحدة. ويتعين على أوروبا أن تأخذ زمام المبادرة كما فعلت في مالي وليبيا. ثم يتعين على أوروبا أن تسلم قيادة عمليات حفظ السلام غير القتالية إلى المنظمات الأمنية الإفريقية القائمة وأن تتولى المهمة الأطول أمداً المتمثلة ببناء الدولة بعد التدخل.

* هارولد براون | Harold Brown ، وزير الدفاع الأميركي الأسبق في عهد الرئيس جيمي كارتر، ومؤلف كتاب "الأمن المزخرف بالنجوم: تطبيق الدروس المستفادة من العمل طيلة ستة عقود على حماية أميركا"، ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأميركية. وهو الأمين الفخري لـ"مؤسسة راند"، ورئيس مجلس أمناء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"