ما في الفخ أكبر من سورية
يوماً بعد يوم تثبت الأحداث الجارية في سورية أن الأزمة هناك أكبر بكثير من مجرد محاولة إسقاط نظام، بل هي في حقيقتها معركة إقليمية مفصلية تستخدم فيها جميع الأدوات، وسترتد آثارها على دول المنطقة بكاملها.فلا يمكن فصل الاعتداء الصهيوني الآثم على هذا البلد العربي عن زيارة بعض رؤساء الدول العربية لواشنطن قبلها بأيام، ولا يمكن فصل هذا الاعتداء عن المحاولات العربية الأخيرة لتقديم مزيد من التنازلات البائسة للكيان الصهيوني تمثل بالقبول بمبدأ تبادل الأراضي بدلاً من الانسحاب الكامل من أراضي الـ67، وكل ذلك بهدف تحريك المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لإغلاق هذا الملف ببيع فلسطين.
ولا يمكن عزل هذا الاعتداء عن التقدم الذي يحققه الجيش السوري على الأرض في مناطق مختلفة مقابل تراجع الجماعات المسلحة؛ لذلك رأينا كيف أن هذه الجماعات كانت أول من بث مقاطع الفيديو عن القصف الصهيوني، وكانت أول من بدأ يعطي تفاصيل المواقع التي تم قصفها، إضافة إلى فرحها بهذا القصف وظهور أحد المنتمين إليها على إحدى القنوات الصهيونية لإظهار تأييده لذلك!الموضوع لم يعد القضاء على نظام شمولي غير ديمقراطي لأن اختطاف المطالب المحقة للشعب السوري الشقيق تم منذ زمن طويل، وصارت التنظيمات المتطرفة والتكفيرية هي المسيطرة على الأرض، ولا وجود أصلاً لمقاتلين ليبراليين كما يدّعي البعض عبثاً. فثقافة نبش القبور وآخرها قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي، رضي الله عنه، بهدف فرض عقيدة معينة على الجميع، وثقافة "المسيحي على بيروت والعلوي للتابوت" لا يمكن أن تبني دولة، بل ستؤدي إلى مزيد من سفك الدماء وانتشار رقعة التطرف والتكفير واتساعهما، إلى أن تصل إلى بلدنا ومنطقة الخليج عموماً.فواهمٌ من يعتقد أن سورية هي نهاية المطاف، بل هي البداية لهذه القوى التكفيرية التي ستشعر بالنشوة والثقة المفرطة، وستسعى بالتالي إلى الانتشار، وسيساعدها بالتأكيد المقاتلون المنتمون إلى دول الخليج الذين سيكونون الأداة لنقل هذه التجربة إلى دولهم، ولنا في ما حصل في أفغانستان عبرة بعدما رأينا كيف صار المقاتلون العرب فيها عبئاً على دولهم وبالأخص السعودية.ومن هنا تأتي دعوتنا للدولة بإيقاف الدعاوى المنتشرة في "تويتر" لتجميع الأموال من أجل شراء الأسلحة وتمويل دوامة القتل هناك، فهذه ظاهرة خطيرة ولها تبعات أخطر على أمن البلد في المستقبل إن تم السكوت عنها الآن، فما يجب أن نقوم به كشعب ودولة هو الدعوة إلى حقن الدماء وحل سلمي وانتخابات تحت غطاء دولي، وليس محاولة تأييد طرف مقابل آخر، فذلك لن يخدم سورية ولا شعبها، بل سيؤدي إلى نتائج عكسية وخطيرة تماماً كنتائج دعم صدام في الثمانينيات!