«الدستورية» في حكم تاريخي لها تبسط رقابتها على مراسيم «الضرورة» وتبطل المجلس الحالي

نشر في 17-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 17-06-2013 | 00:01
• المحكمة أبطلت انتخابات ديسمبر 2012 ومن أُعلن فوزهم من النواب

• المحكمة رأت عدم دستورية مرسوم لجنة الانتخابات ودعت إلى إجراء انتخابات بعد نشر الحكم

في حكم تاريخي لها أكدت المحكمة الدستورية أمس أحقيتها في الرقابة على مراسيم الضرورة التي يصدرها سمو الأمير في فترة غياب مجلس الامة، وقضت المحكمة في سابقة قضائية بعدم دستورية مرسوم الضرورة الخاص بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات لافتقاره إلى حالة الضرورة التي نصت عليها المادة 71 من الدستور، وقررت المحكمة بعد حكمها بعدم دستورية مرسوم لجنة الانتخابات بطلان مجلس الامة الحالي المنتخب في ديسمبر الماضي بعد ابطال العملية الانتخابية التي اجريت، وبطلان من أُعلن فوزهم فيها مع ما ترتب على ذلك من آثار اهمها الدعوة لانتخابات جديدة.

كما أشارت المحكمة في حيثيات حكمها الى سلامة القوانين الصادرة من المجلس المبطل، وفي المقابل اكدت المحكمة الدستورية سلامة مرسوم الضرورة الخاص بتعديل قانون الدوائر الانتخابية وبتوافر حالة الضرورة التي دعت إلى تعديل عدد الاصوات الانتخابية بجعلها صوتا واحدا بدلا من اربعة اصوات، تأكيدا لمبررات الوحدة الوطنية التي ساقها الحكم.

واكدت المحكمة التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين محمد بن ناجي وخالد سالم وخالد الوقيان وعادل بورسلي وابراهيم السيف، في حيثيات حكمها في ردها على الدفوع المقامة من ادارة الفتوى والتشريع بعدم اختصاصها بالرقابة على مراسيم الضرورة، أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة هي بطبيعتها لا تتناول الا التحقق من مدى موافقة التشريع لاحكام الدستور، وهذه الرقابة تنبسط على التشريعات كافة على اختلاف انواعها ومراتبها وايا كانت طبيعتها سواء أكانت تشريعات صادرة عن السلطة التشريعية أي اصلية ام تشريعات صادرة من السلطة التنفيذية، وان كانت استثنائية ام تشريعات فرعية أي لوائح كما تشمل اي قاعدة تنظيمية عامة تتسم بالعموم والتجريد وواجبة الاتباع في صدد ما صدرت بشأنه، وبالتالي لا يسوغ النظر الى التشريع ايا كان موضوعه او نطاق تطبيقه او الجهة التي اقرته او اصدرته على انه عمل سياسي أو يغلب عليه الطابع السياسي.

وأوضحت الدستورية ان مساهمة السلطة التنفيذية في العمل التشريعي لا تعد من الاعمال السياسية، لانها تتعلق بما تباشره من عمل تشريعي على النحو المبين بالدستور مقيدة في ذلك بالامتثال الى نصوصه وأحكامه وعدم الخروج عليها.

وقالت المحكمة إن الدستور إن أعطى للسلطة التنفيذية، بشروط خاصة، حق اصدار مراسيم من طبيعة تشريعية طبقا للمادة 71 منه استثناء من اصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الاصلية في المجال التشريعي، بيد ان هذه السلطة الاستثنائية لا يمكن ممارستها الا في الحدود التي بينها نص هذه المادة، بان تكون ممارستها لهذه السلطة فيما بين أدوار الانعقاد او في فترة حله وان تكون هذه المراسيم الصادرة عنها من التدابير التي توجب الاسراع في اتخاذها، ولا تحتمل التأخير وألا تكون هذه المراسيم مخالفة للدستور، وهذه الشروط باعتبارها من القيود الاجرائية والموضوعية التي فرضها الدستور.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن اقرار مجلس الامة لمراسيم الضرورة في سبيل رقابة السياسة عليها ليس من شأنه أن يحصن تلك المراسيم من الطعن عليها بعدم الدستورية، وذلك لان المادة 71 من الدستور اشارت الى وجوب عدم مخالفة تلك المراسيم للدستور.

وبشأن سلامة مرسوم الصوت الواحد من ناحية توافر الشروط التي استلزمتها المادة 71 من الدستور، قالت المحكمة في حكمها انه وبعد حل مجلس الامة بتاريخ 7/10/2012 ارتأت الحكومة بعد حلها للمجلس أنه بات لزاما عليها ان تسارع الى وضع حد لهذه السلبيات والمظاهر وأوجه القصور في المادة الثانية باجراء تشريعي يتحتم صدوره بمرسوم يكون له قوة القانون لمعالجة هذه السلبيات وتلافي عيوب هذا النص حسبما أوردته المذكرة الايضاحية مستندة الى المادة 71 من الدستور، وكانت الاعتبارات والاهداف التي ذكرتها الحكومة في هذا الصدد يتعين ان تعطى حكمها وتقدر بقدرها، وان توزع بما يناسب شأنها، لاسيما انها تعلقت بتهديد وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، وهذا التعديل جاء تحقيقا للمصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار، وبالتالي فلا مأخذ عليها في هذا الامر من الوجهة الدستورية.

وبينما رأت المحكمة بعد قضائها بعدم دستورية مرسوم اللجنة العليا للانتخابات افتقار المرسوم لحالة الضرورة التي نصت عليها المادة 71 من الدستور، وقالت في حكمها إنه لم يتبين للمحكمة أن مصلحة الدولة العليا هي التي دعت لإصدار مرسوم الضرورة بانشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، وذلك لأن المصلحة العليا للبلاد أعظم شأنا وأعلى قدرا من ان تختزل في محض انشاء لجنة لتحقيق المزيد من النزاهة والشفافية في الانتخابات، او لادخال بعض التعديلات بسبب انشاء هذا الكيان، وفي ما يلي نص حيثيات الحكم:

أكدت المحكمة أن الطعن المقام من مرشح الدائرة الرابعة أسامة منصور الرشيدي تفيد أسبابه بأن العملية الانتخابية التي اقيمت شابها عوار دستوري في الإجراءات الممهدة لها، إذ صدر المرسوم رقم (241) لسنة 2012 بحل مجلس الأمة مشوبا بالبطلان لمخالفته الدستور، قولا من الطاعن بأن إجراء هذا الحل قد جاء بناء على طلب وزارة صدر بتشكيلها المرسوم رقم (155) لسنة 2012، وانه وإن قام الوزراء فيها بموجب المادة (126) من الدستور بأداء اليمين الدستورية- بالصيغة المنصوص عليها في المادة (91) أمام الأمير، إلا أنهم لم يؤدوا هذه اليمين أمام مجلس الأمة طبقاً للمادة (80) من الدستور التي نصت على اعتبار الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم، وبالتالي فإنه ليس لهذه الوزارة صلاحية ممارسة دورها التشريعي أو القيام بأي عمل يتصل بعلاقتها بمجلس الأمة قبل أداء هذه اليمين، ومن ثم فإن إجراء هذا الحل الذي صدر بناء على طلب منها يكون مشوبا بالبطلان، ويستوجب عدم الاعتداد به وترتيب آثاره بما يستتبع ذلك بطلان المرسوم رقم (258) لسنة 2012 بدعوة الناخبين إلى انتخاب اعضاء مجلس الأمة الذي صدر بناء على إجراء هذا الحل الباطل.

وأضاف المحكمة في حكمها ان عملية الانتخاب التي قد اجريت في ظل مراسيم بقوانين أصدرتها السلطة التنفيذية بإرادتها المنفردة في غيبة مجلس الامة بسبب حله- جاءت مشوبة بعيب عدم الدستورية لمخالفتها نصوص الدستور، وقد تمثل ذلك في اصدارها للمرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة، وكذلك إصدار المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2012 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وبتعديل بعض أحكام القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة، وقد ارتكنت السلطة التنفيذية في اصدار هذين المرسومين على المادة (71) من الدستور في حين أن هذه المادة قد اشترطت حدوث ما يوجب الإسرع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، ولا يمكن للحكومة ان تدعي حدوث ذلك في ما يخص هذين المرسومين، لان الواقع لا يساعدها على هذا الادعاء، اذ لا يوجد في هذين المرسومين انهما قد صدرا بناء على امر حدث في الدولة يستوجب الاسراع الى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وان المادة المذكورة قد اشترطت ايضا الا تكون هذه المراسيم مخالفة للدستور، وهذان المرسومان خالفا الدستور الذي نص صراحة على ان جميع السلطات مصدرها الامة (م6)، وان نظام الحكم يقوم على اساس فصل السلطات، مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور (م50)، وان السلطة التشريعية يتولاها الامير ومجلس الامة وفقا للدستور (م51)، وان السلطة التنفيذية يتولاها الامير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور (م52)، والا يصدر قانون إلا إذا اقره مجلس الامة، وصدق عليه الامير (م79)، وان إصدار هذين المرسومين في فترة تعطيل المجلس النيابي بالحل فيه اهدار لسلطة الامة ولمبدأ فصل السلطات، وجعل السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما تقتضيه صراحة المادة (52) من الدستور، فضلا عن ان السلطة التنفيذية وان رخص لها على سبيل الاستثناء اصدار مراسيم تكون لها قوة القانون وفق المادة (71) من الدستور فإن مناط استعمالها لهذه الرخصة الاستثنائية ان تقضي بها ضرورة او ظروف استثنائية تتطلب اجراءات تستوجب السرعة في اتخاذها، تدور معها وجودا وعدما، وهذه الرخصة انما شرعت لمجابهة هذه الحالات والظروف، وليس لاتخاذها وسيلة للتعدي على الاختصاص المحجوز للسلطة التشريعية، ولا ريب في ان المسائل المتعلقة بتحديد الدوائر الانتخابية، والتي تعتبر حجر الزاوية في بناء المجلس النيابي الذي احكم الدستور قواعده، وكذلك تلك المسائل المتعلقة بضبط عملية انتخاب اعضاء مجلس الامة وتنظيم اجراءاتها انما يجمعها طابع واحد ان تنظيمها يكون بقانون، وتدخل في نطاق التشريع العادي، ولا تدخل في نطاق التشريع الاستثنائي، ولا يمكن ان تكون وليدة الضرورة او من خلق الظروف الاستثنائية، وما كان حرص الدستور على ان يكون تنظيمها بقانون الا سدا لذرائع التحكم فيها والانفراد بها، وحتى لا تستقل الحكومة بذلك لتحقيق مصالحها، الامر الذي يستتبع معه القول بانه لا تنطبق على اصدار هذين المرسومين الشروط التي تطلبتها المادة (71) من الدستور من هذه الوجهة، ومن وجهة اخرى فإنه مما يزيد من تداعيات المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 سالف الذكر انه اجرى تعديلا على نص المادة الثانية من القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، متضمنا هذا التعديل العدول من نظام الانتخاب الذي اطرد على اتباعه من ذي قبل بطريقة تعدد الاصوات بالنسبة للناخب الى الاخذ بقاعدة الصوت الواحد، مما يمثل مساسا بالحقوق المكتسبة لجموع الناخبين، ويخل بقواعد العدالة ومبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وبحق التعبير وحرية الرأي التي كفلها الدستور في المواد 7 و8 و29 و36 منه، ويجافي ما يفترضه الدستور من ان عضو مجلس الامة لا يمثل الدائرة التي انتخبته وانما يمثل الامة جمعاء، وان حق الانتخاب وحق الترشح حقان دستوريان مرتبطان يتبادلان التأثير في ما بينهما، ولا يجوز تقييدهما ونقضهما، اذ جاء تعديل نص هذه المادة منطويا على تكبيل لارادة الناخب في تكييف اتجاهه وتقييد حقه الاصيل في التعبير عن رأيه، وفي اختياره الحر للمرشحين، والزامه بأن يقصر اختياره على مرشح واحد يعطيه صوته دون سواه، بدلا من اربعة اصوات لاكثر من مرشح، في ظل تمثيل كل دائرة انتخابية من الدوائر الخمس بعشرة مرشحين، ما يعني حرمان مرشحين آخرين من اصوات الناخب كان يمكن ان يحصلوا عليها، وتحقق فوزهم في الانتخابات، ويجعل النائب اسيرا لناخبيه، ويحمل النائب على اعتبار نفسه ممثلا لدائرته فقط لا لجموع الامة، فينهدم بذلك ركن من اركان النظام النيابي، كما ان التعديل الذي جاء به المرسوم بقانون سالف الذكر يفضي الى اعطاء الاقلية تمايزا على حساب الاغلبية، ويجعل التمثيل النيابي لا يعبر عن ارادة الامة ولا يصور حقيقة رايها.

شرعية الانتخاب

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، انه «بالترتيب على ما تقدم جميعه فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، والمرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2012، المنوه عنهما آنفا، واذا صدرا بالمخالفة للدستور فإنه يستوجب القضاء بعدم دستوريتهما لانعكاس اثرهما بحكم اللزوم على شرعية الانتخاب».

ثالثا: إن الطاعن كان مرشحا في الدائرة الانتخابية (الرابعة)، وانه كان من شأن اصدار المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل المادة الثانية من قانون اعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، الذي تم بموجبه تعديل طريقة التصويت في الانتخاب واصدار المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2012، الذي قضى بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، وبتعديل بعض احكام قانون الانتخاب بسبب انشاء هذه اللجنة، وذلك في وقت قصير، وفي فترة حرجة، وفي ظل عدم توقع صدورهما، لاسيما أن الحكومة قد استبقت اجراء حل مجلس الامة برفع طعن مباشر أمام هذه المحكمة بطلب الحكم بعدم دستورية المادتين (الاولى) و(الثانية) من القانون رقم (42) سنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، وقضت هذه المحكمة بتاريخ 25/9/2012 برفضه، وهو يعني ان المحكمة لم يتبين لها عيب في المادة (الثانية) من ذلك القانون من الوجهة الدستورية يقتضي معه الاستجابة الى طلب الحكومة في هذا الشأن، وانه على الرغم من ذلك فقد فوجئ الناخبون والمرشحون باصدار هذين المرسومين، ومن بينهم الطاعن الذي عجز عن اعادة تنظيم حملته الانتخابية على ضوء هذه التعديلات غير المبررة والمخالفة للدستور التي كان لها تأثيرها السلبي على عملية الانتخاب التي اجريت في الدائرة، فقام بخوض هذه الانتخابات في ظل منافسة غير متكافئة بين  المرشحين وعزوف عدد كبير من الناخبين عن الاشتراك فيها، مما ألحق به ضررا مباشرا تمثل في خسارته لعدد كبير من أصوات ناخبيه واخفاقه في الفوز في انتخابات تلك الدائرة، وهو ما ظهر جليا من اعلان نتيجتها بتدني نسبة اقبال الناخبين على التصويت فيها، ونسبة الاصوات المحدودة التي حصل عليها كل من أُعلن فوزهم بالنسبة الى مجموع اصوات الناخبين المقيدين في الدائرة والتفاوت الواضح في نسبة الاصوات فيما بين هؤلاء الفائزين، فضلا عن انه قد شابت عملية الانتخاب التي تمت في الدائرة في مراحلها المتعددة سواء في الاقتراع او في احصاء الاصوات او في جمع النتائج او في اعلان نتيجة الانتخاب عيوب واخطاء جسيمة، كان مرجعها الى احتساب اصوات ناخبيه لصالح مرشحين آخرين، وظهور اخطاء في عملية تجميع الاصوات في جميع اللجان على الرغم من قلة عدد الناخبين في تلك الانتخابات قياسا بالانتخابات البرلمانية السابقة، وتوقف اعمال اللجان الفرعية بغير مبرر دون انجاز مهامها واضطراب العمل في اللجان بسبب حرص اللجنة الوطنية العليا للانتخابات على سرعة اعلان النتائج ونسبة التصويت في الدائرة، وخلص الطاعن مما تقدم جميعه الى طلب الحكم بإبطال هذا الانتخاب.

وقد نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وقررت بجلسة 1/4/2013 اصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وصرحت للخصوم بتقديم مذكرات خلال اسبوعين وخلال هذا الاجل أودع الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته التي سبق ان أيدها في دفاعه.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: لما كانت المادة (41) من قانون انتخاب اعضاء مجلس الأمة رقم (35) لسنة 1962 تنص على أن لكل ناخب ان يطلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية، ولكل مرشح طلب ذلك في الدائرة التي كان مرشحا فيها، وكان المستفاد من هذا النص وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ان المشرع اتاح لكل ناخب شارك في الانتخاب وقام بالادلاء بصوته ولكل مرشح قام بخوض الانتخاب وفاز عليه منافسه ان يطلب ابطال الانتخاب في دائرته الانتخابية، واختص المشرع هذه المحكمة دون غيرها - طبقا للمادة (الاولى) من قانون انشائها رقم (14) لسنة 1973 بالفصل في الطعون الخاصة بانتخابات اعضاء مجلس الامة او بصحة عضويتهم، وقوام هذه الطعون الطلبات التي تقدم اليها بابطال الانتخاب على الوجه المتقدم، وهذه المحكمة انما تفصل في تلك الطلبات بوصفها محكمة موضوع تقصيا لما يطرحه عليها الطالب من عناصر ووقائع معينة تنصب اساسا على ما ينازع فيه أصلا متعلقا بعملية الانتخاب في دائرته الانتخابية، وما يتصل بهذه العناصر والوقائع من قواعد قانونية واجبة التطبيق متعلقة بها لتبسط المحكمة، في اطار اختصاصها المعقود لها في هذا المقام كمحكمة موضوع، رقابتها على عملية الانتخاب للتحقق من صحتها والتثبت من سلامتها والتأكد من التزام اجراءاتها بالقيود والضوابط الحاكمة، وانزال حكم القانون على واقع ما هو مطروح عليها، وتغليب حكم الدستور على ما سواه من القواعد القانونية، كما تتقصى هذه المحكمة ايضا ما عسى ان يثيره الطالب عرضا من مطاعن دستورية على النصوص التشريعية المتصلة بعملية الانتخاب، والتي ينعكس اثرها بحكم اللزوم على واقع ما ينازع فيه الطالب في اطار طعنه الموضوعي بدائرته الانتخابية، وذلك من خلال الدفع بعدم الدستورية تقدر هذه المحكمة جديته فإذا قبلته قضت في المسألة الدستورية بوصفها محكمة دستورية، ثم قامت من بعد بإنزال قضائها على موضوع الطلب.

إلغاء جزئي

وبالبناء على ذلك فإنه اذا ثبت للمحكمة من طلب ابطال الانتخاب المطروح عليها في ضوء المطاعن الموجهة الى عملية الانتخاب في الدائرة محل الطعن انه قد شابها البطلان، او ان اجراء من اجراءاتها كان باطلا تعين إعمالا للولاية التي اسبغها الدستور والقانون عليها ان تنزل حكم الدستور والقانون على واقع المنازعة المعروضة عليها، فاما ان تقضي بالغاء العملية الانتخابية في الدائرة اذا ثبت لها ان العيب يوجب اعادة الانتخاب في هذه الدائرة بالكامل او إلغاء العملية جزئيا اذا وجدت أن العيب قد اعتور أحد اجراءاتها بما من شأنه تعديل النتائج المعلنة، وبهذا تقضي ببطلان الانتخاب بالنسبة لمن أُعلن فوزه الذي اتصل به الاجراء الباطل او بتعديل النتيجة باعلان من هو أحق بالفوز بعضوية المجلس، او ان تقضي بإلغاء العملية الانتخابية برمتها متى ثبت لها انها جاءت معيبة في جملتها، وان العيب الذي لحق باجراءاتها لا يقتصر فحسب على الدائرة محل هذه المنازعة.

ومتى كان ذلك وكان الثابت ان الطاعن كان مرشحا في الدائرة الانتخابية (الرابعة) في الانتخابات التي تمت في الاول من ديسمبر عام 2012 وطلب ابطال الانتخاب في تلك الدائرة على سند من انه قد شابت اجراءاتها وقواعدها ومراحلها مخالفات دستورية واخطاء جوهرية وعيوب جسيمة تؤدي الى بطلان الانتخاب في تلك الدائرة، فان الدفع المبدى من ادارة الفتوى والتشريع بعدم قبول الطعن بمقولة ان الطاعن قد تجاوز بطلبه النطاق المقرر قانونا بالطعن في جميع الدوائر الانتخابية يكون غير صحيح.

وحيث ان الطعن قد استوفى اجراءاته المقررة قانونا، وحيث ان ادارة الفتوى والتشريع قد ذهبت في دفاعها عن الحكومة الى ان ما أثاره الطاعن في طلبه متعلق ببطلان المرسوم الصادر بحل مجلس الامة والمرسوم الصادر بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة لا تختص هذه المحكمة بنظره باعتبار أن هذين المرسومين فيما تناولاه انما يتصل بأخص المسائل المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، وهي من الاعمال السياسية التي تتأبى بطبيعتها ان تكون محلا للتقاضي تحقيقا لسيادة الدولة وحفظا لكيانها ورعاية لمصالحها العليا دون تخويل القضاء سلطة التعقيب عليها، لان النظر في تلك الاعمال يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين يخرج زمام تقديرها عن اختصاص القضاء، وهي من الامور التي تنحسر عنها ولاية القضاء باعتبارها من اعمال السيادة.

وحيث ان ما أثارته إدارة الفتوى والتشريع في هذا الشأن مردود بأن هذه المحكمة قد سبق لها التأكيد في قضاء سابق على ان الطعون المتعلقة بانتخاب اعضاء مجلس الامة او بصحة عضويتهم لها طبيعتها الخاصة، وان نظر هذه الطعون امامها تحكمه التشريعات المنظمة لاختصاصها، وان الاجراءات المتعلقة بهذه الطعون تنظمها نصوص خاصة، وان اختصاص هذه المحكمة بالفصل في هذه الطعون هو اختصاص شامل، وقد جاء نص المادة (الاولى) من قانون انشائها دالا على ذلك، وبما يشمل بسط رقابتها على عملية الانتخاب برمتها للتأكد من صحتها او فسادها ولا خلف في ان الانتخابات انما ترتبط بداهة بالالتزام بضوابطها واجراءاتها، فان صحت هذه الاجراءات والتزمت ضوابطها مهدت لصحة عملية الانتخاب، وان تسرب اليها الخلل تزعزع الانتخاب من اساسه، وبالتالي فان الطعن على اجراءات هذه الانتخابات يستغرقه بحكم اللزوم اختصاص هذه المحكمة بنظره تأثير الفصل فيه بحكم الضرورة على عملية الانتخاب، ولا ريب في ان القيود الاجرائية التي فرضها الدستور على السلطة التنفيذية لا يجوز اسقاطها او تجاوزها او التحلل منها تذرعا بانها اعمال سياسية، اذ ان هذا القول لا يستقيم في مجال إعمال سلطتها المقيدة طبقا للدستور.

 لما كان ذلك وكان ما ذهبت اليه ادارة الفتوى والتشريع لا يلتئم مع طبيعة اختصاص هذه المحكمة للاعتبارات سالفة البيان فان ما اثارته في هذا الدفاع يكون في غير موضعه.

وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الاول من طعنه على عملية الانتخاب ان الاجراءات الممهدة لها قد جاءت مشوبة بالبطلان لمخالفتها الدستور اذ نصت المادة (80) منه على ان يتألف مجلس الامة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام  السري المباشر وفقا للاحكام التي يبينها قانون الانتخاب.

ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الامة اعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم كما نصت المادة (91)، على انه قبل ان يتولى عضو مجلس الامة اعماله في المجلس او لجانه يؤدي امام المجلس في جلسة علنية اليمين الآتية:

«أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق».

المادة 126

كما نصت المادة (126) على انه قبل ان يتولى رئيس مجلس الوزراء والوزراء صلاحياتهم يؤدون امام الامير اليمين المنصوص عليها في المادة 91 من هذا الدستور، ومتى كان ذلك وكان المرسوم رقم (241) لسنة 2012 الصادر بحل مجلس الامة قد جاء بناء على طلب وزارة صدر بتشكيلها المرسوم رقم (155) لسنة 2012، وانه وإن قام الوزراء فيها باداء اليمين الدستورية امام الامير الا انهم لم يؤدوا هذه اليمين امام مجلس الامة طبقا للمادة (80) من الدستور، التي نصت على اعتبار الوزراء غير المنتخبين بمجلس الامة اعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم، وبالتالي فانه ليس لهذه الوزارة صلاحية ممارسة دورها التشريعي او القيام باي عمل يتصل بعلاقتها بمجلس الامة قبل اداء هذه اليمين، ومن ثم فان اجراء هذا الحل والذي صدر بناء على طلب منها يكون مشوبا بالبطلان، ويستوجب عدم الاعتداد به وترتيب آثاره مما يسستتبع ذلك بطلان المرسوم رقم (258) لسنة 2012 بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة الذي صدر بناء على اجراء هذا الحل الباطل.

وحيث ان هذا النعي في جملته مردود ذلك ان المادة (107) من الدستور تنص على ان للأمير ان يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل على انه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة اخرى، واذا حل المجلس وجب اجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في اعماله الى ان ينتخب المجلس الجديد، والمستفاد من هذا النص حسبما اكدته هذه المحكمة في قضاء سابق ان حل مجلس الامة هو حق دستوري مقرر للسلطة التنفيذية، ويعتبر احد السبل لاحكام المعادلة والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ومن المعلوم ان الامير يتولى سلطاته بواسطة وزرائه (م55) وان المقصود بالحل هو انهاء مدة المجلس انهاء مبتسرا قبل انهاء الاجل المقرر له سواء اثر خلاف بين الحكومة (الوزارة) وبين مجلس الامة او اختل التناسب والانسجام بينهما، او اقتضت له ضرورة وانه وان كان الدستور لم يقيد استعمال الحكومة لحق الحل بأي قيد زمني فلها ان تتخير توقيته وتقدير مناسباته.

الا ان الدستور احاط الحل نظرا لخطورته ببعض القيود والضمانات، فيجب ان يكون حل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، وهو امر يتطلب معه ان يوقع مرسوم الحل مع الامير رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية عن هذا التصرف، وانه اذا حل المجلس لا يجوز حله لذات الاسباب مرة اخرى، كما انه يجب اجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، اذ مادام ان الغرض من الحل هو الاحتكام الى الامة واخذ رأي الناخبين فيه فلا يصح ارجاء ذلك الى أمد بعيد مع استمرار السلطة التنفيذية في التصرف بلا رقيب، وبالتالي وجب دعوة الناخبين الى اجراء انتخابات جديدة، والغاية من هذا الحكم هي تأكيد ضرورة اتصال الحياة النيابية.

ومتى كان ذلك وكان الثابت من المرسوم رقم (241) لسنة 2012 بحل مجلس الامة بتاريخ 7/10/2012 انه قد وردت الاشارة بديباجته الى صدوره استنادا الى المادة (107) من الدستور والى ان صدوره قد جاء نظرا لتعذر عقد جلسات مجلس الامة لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقدها، كما جاءت الاشارة الى انه قد صدر بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء وبعد موافقة مجلس الوزراء مذيلا هذا المرسوم بتوقيع امير البلاد ورئيس مجلس الوزراء، والواضح من هذا المرسوم ان اجراء حل هذا المجلس لم يكن اثر خلاف بين الحكومة (الوزارة) وبين مجلس الامة، او مستندا الى اسباب سابقة انقضى امرها بفوات أوانها وذهاب محلها وانما جاء حسبما هو ظاهر لضرورة تقتضيه نظرا لتعذر انعقاد جلساته لعدم اكتمال النصاب القانوني.

قوة الدستور

والحاصل ان هذه المحكمة قد سبق لها ان قضت بتاريخ 20/6/2012  في الطعون رقم (5 و29) و(6 و30) لسنة 2012 «طعون خاصة بانتخابات مجلس الامة عام 2012» «بإبطال عملية الانتخاب برمتها التي اجريت بتاريخ 2/2/2012 مع ما يترتب على ذلك من أثار اخصها ان يستعيد المجلس المنحل (المنتخب في عام 2009) بقوة الدستور سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، ليكمل المدة المتبقية له اصلا ما لم يطرأ من الامور خلال تلك المدة ما يقتضي معها إعمال الامير صلاحياته المقررة في هذا الشأن»، بيد ان معظم هذا المجلس اصروا على عدم اكمال المدة المتبقية له امتثالا لحكم الدستور بامتناعهم عن حضور جلسات المجلس حتى لا يكتمل النصاب القانوني لعقدها، وبالتالي فلا وجه للاعتراض على تصرف السلطة التنفيذية في استنادها الى نص المادة (107) من الدستور في حل هذا المجلس بناء على ذلك، اذ ليس من بين الدول الديمقراطية دولة تستطيع ان تظل اداتها التشريعية ومجلسها النيابي معطلا لا لسبب الا لإصرار اعضاء هذا المجلس على عدم حضور جلساته والعزوف عن القيام بمهامهم الدستورية، كما لا وجه من بعد للتحدي ببطلان هذا المرسوم بمقولة عدم أداء الوزراء اليمين الدستورية امام مجلس الامة بما من شأنه أن يغل يد السلطة التنفيذية عن ممارسة الحق المقرر لها في الدستور بإجراء هذا الحل ليس الا للتشبث بظاهر النصوص دون النظر الى جوهرها ومبناها، ولا نكران في ان الوزراء في هذه الوزارة قد قاموا بأداء اليمين الدستورية امام الامير قبل ممارسة صلاحياتهم كأعضاء في السلطة التنفيذية، طبقا لما يقضي به الدستور في المادة (126) منه، وإذ جاءت دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة بناء على هذا الحل، فان النعي على المرسوم رقم (241) لسنة 2012 والمرسوم رقم (258) لسنة 2012 يكون على غير اساس سليم.

وحيث ان الطاعن ينعى بالوجه الثاني من طعنه على عملية الانتخاب انها اجريت في ظل المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 باعاة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة والمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2012 بانشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وبتعديل بعض احكام القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات اعضاء مجلس الامة التي اصدرتهما السلطة التنفيذية بإرادتها المنفردة في غيبة مجلس الامة بسبب حله، في حين انه لا تنطبق على اصدار هذين المرسومين الشروط التي تطلبها المادة (71) من الدستور، فضلا عن مخالفتهما لأحكامه وانعكاس اثرهما بحكم اللزوم على شرعية الانتخاب.

وحيث ان ادارة الفتوى والتشريع قد ذهبت في دفاعها عن الحكومة الى عدم اختصاص هذه المحكمة بنظر المنازعة في شأن المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 والمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2012 المشار اليهما، باعتبار ان هذين المرسومين من التشريعات الاستثنائية ومن الاعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية، فضلا عن ان الامر في مدى قيام حالة الضرورة الملجئة لاصدار هذه التشريعات الاستثنائية والموجبات التي تقتضيها يعتبر شرطا سياسيا متروكا اصلا لتقدير السلطة التشريعية، وفقا لحكم المادة (71) من الدستور، التي ناطت بمجلس الامة وحده دون غيره سلطة اقرارها باستمرار العمل بها او عدم اقرارها ليزول ما كان لها من قوة القانون.

وحيث إن ما ذهبت اليه ادارة الفتوى والتشريع في هذا الشأن يخالف صريح نصوص الدستور والقانون لأسباب عدة:

أولهما: ان الدستور الكويتي الصادر منذ أكثر من خمسين عاما جاء متضمنا النص صراحة في المادة (173) منه على تقرير الرقابة القضائية على دستنورية التشريعات، كما ان هذا الدستور وقانون إنشاء هذه المحكمة الصادر إعمالا له قصرا سلطة الفصل في دستورية التشريعات عليها وناط بها دون سواها ولاية الفصل صونا للدستور وحمايته ومرجعها في مباشرة هذه الولاية الى نصوصه وأحكامه.

وثانيها: ان الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة هي بطبيعتها لا تتناول الا التحقق من مدى موافقة التشريع لاحكام الدستور، وهذه الرقابة تنبسط على التشريعات كافة على اختلاف انواعها ومراتبها، وايا كانت طبيعتها سواء اكانت تشريعات صادرة عن السلطة التشريعية اي اصلية ام تشريعات صادرة عن السلطة التنفيذية وان كانت استثنائية ام تشريعات فرعية او لوائح كما تشمل اي قاعدة تنظيمية عامة تتسم بالعمومية والتجريد وواجبة الاتباع في صدد ما صدرت بشأنه، وبالتالي فلا يسوغ النظر الى التشريع ايا كان موضوعه او نطاق تطبيقه او الجهة التي اقرته او اصدرته على انه عمل سياسي او يغلب عليه الطابع السياسي، اذ ان من شأن هذا القول ان يفرغ رقابة الدستورية من مضمونها بل يهدم هذه الرقابة من اساسها.

وثالثها: ان نص المادة (الاولى) من قانون انشاء هذه المحكمة قد جاء صريحا جهيرا باختصاصها  دون غيرها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية المراسيم بقوانين، وامام النص الصريح تنتفي الحاجة الى التأويل والاستنتاج فلا اجتهاد مع النص، وهو مما يقطع ان اختصاص هذه المحكمة بنظر المنازعات المتعلقة بهذه التشريعات الاستثنائية لا جدل ولا مماراة فيه.

ورابعها: ان مساهمة السلطة التنفيذية في العمل التشريعي لا تعد من الاعمال السياسية، لانها تتعلق بما تباشره من عمل تشريعي على النحو المبين بالدستور مقيدة في ذلك بالامتثال الى نصوصه وأحكامه وعدم الخروج عليها وغني عن البيان ان الدستور وأن اعطى للسلطة التنفيذية بشروط خاصة حق اصدار مراسيم من طبيعة تشريعية طبقا للمادة (71) منه استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الاصلية في المجال التشريعي، بيد ان هذه السلطة الاستثنائية لا يمكن ممارستها الا في الحدود التي بينها نص هذه المادة، ومن بين هذه الشروط التي لا غنى عن وجود الالتزام بها، وان تكون ممارستها لهذه السلطة الاستثنائية فيما بين ادوار انعقاد المجلس النيابي أو في فترة حله، وان تكون هذه المراسيم الصادرة عنها من التدابير التي توجب الاسراع في اتخاذها ولا تحتمل التأخير والا تكون هذه المراسيم مخالفة للدستور، وهذه الشروط باعتبارها من القيود الاجرائية والموضوعية التي فرضها الدستور على ممارسة سلطتها الاستثنائية في هذا النطاق لا يجوز اسقاطها او تجاوزها تذرعا بأنها اعمال سياسية، إذ لا تستعصي على الفحص والتدقيق من قبل هذه المحكمة لدى ممارسة ولايتها بالفصل في مدى دستورية هذه المراسيم للاستبثاق من مدى الالتزام في اصدارها بالقيود التي نص عليها الدستور، وانه لما كان التشريع الاستثنائي هو تشريع مؤقت إذ يبقى رهينا بارادة المشرع، لذا فقد اوجب نص المادة (71) عرض هذه المراسيم على مجلس الامة في اول اجتماع له وللمجلس ان يبقيها فيقرها او لا يقرها فيسقطها ليزول ما لها من قوة القانون، ورقابة مجلس الامة على هذه المراسيم وإن كان لها طابع قانوني الا انها في حقيقتها رقابة سياسية ليس من شأنها ان تحجب بأي حال عن هذه المحكمة اختصاصها ببسط رقابتها الدستورية على هذه المراسيم ولا صحة في القول بان اقرار المجلس لها من شأنه أن يحصنها من الطعن عليها بعدم الدستورية، ومما يؤكد هذا النظر ويدعمه ان نص المادة (71) قد جاء صريحا في اشتراط لا تكون هذه المراسيم مخالفة للدستور، ومن البديهي ان القول الفصل في مدى اتفاقها أو تعارضها مع الدستور معقود اصلا لهذه المحكمة دون سواها بما لها من اختصاص بالرقابة على دستورية التشريعات.

أساس صحيح

وبالترتيب على ذلك فإنه ليس في شأن المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 والمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2012 ان يكون بمنأى عن رقابة هذه المحكمة التي تخضع لها التشريعات كافة، ولا يعتبر اصدارهما من الاعمال السياسية على نحو ما ذهبت اليه ادارة الفتوى والتشريع، وبالتالي فان الدفع المبدى منها بعدم اختصاص هذه المحكمة بهذا الشأن يكون من ثم غير قائم على اساس صحيح وواجب الاطراح.

وحيث ان الطاعن يستهدف بنعيه بالوجه الثاني من طعنه على عملية الانتخاب الدفع بعدم دستورية هذين المرسومين لمخالفتهما نصوص المواد (6) و(50) و(51) و(52) و(71) و(79) من الدستور.

وحيث إن الاصل في القوانين والتشريعات بصفة عامة انها تصدر لحوائج الامة وخيرها ما كان منها معبرا تعبيرا صادقا عن إرادتها واتجاهاتها ملبيا لمتطلباتها وان أدنى الوسائل تحقيقا لذلك ان يعهد الى الهيئة التشريعية من نواب الامة وممثليها بسن هذه القوانين منفردة او مشتركة مع السلطة التنفيذية، وعلى مثل هذه الاعتبارات وغيرها قام مبدأ فصل السلطات الذي جعل لكل سلطة من سلطات الامة القيام بما عهد إليها من مهام وأعمال على انه استبان للمشتغلين بأمور الدساتير، انه قد يعرض للأمة من الظروف والأحداث ما يستوجب اجراء سريعا وتشريعا عاجلا لا يحتمل التأخير لصالح البلاد قد يسبب -عدم اتخاذه- أضرارا بها فإن مثل هذه الظروف والاحداث اذا عرضت وجب ان تعطى حكمها والا تحول الاصول العامة دون الاستجابة لداعي السرعة والخروج عن مألوف حدود الاختصاصات العادية، وذلك باسناد مهمة التشريع الى غير السلطة العادية، وقد كانت حجتهم في ذلك ان اتباع القوانين والحرص على التزام أحكامها انما فرضا تحقيقا للمصالح العامة فإذا بدا ما يؤذي تلك المصالح او يجلب ضررا عاما وجب ان ينزل سلطان القانون على حكم الضرورة والمصلحة العامة فكان ان رأى بعضهم اثبات ذلك بنص خاص في الدستور يتناول حكم الضرورة، واثرها بمقتضى القوانين العادية، اذا ما دعا لذلك داعي الحاجة الملحة والمصلحة الملجئة، وعلى ذلك ما جرت عليه دساتير متعددة تخص هذا الامر بالذكر وإن اختلفت صياغاتها وفي تفاصيلها واجراءاتها بحسب نظمها المتبعة والبعض الآخر اثر الاحجام عن اثباته في الدستور تفاديا من سوء استعمال السلطة التنفيذية هذا الحق بالمغالاة فيه والالتجاء دائما الى الاعتصام بالمصلحة العامة الملحة على ان اولئك الذين لا تتضمن دساتير نصا صريحا على الترخيص للسلطة التنفيذية بتولي مهمة التشريع كلما دعت الظروف العارضة والمصالح الملحة الى ذلك، لم يذهبوا الى حد منع السلطة التنفيذية من مباشرة هذه السلطة، بل خولوا لها التصرف فيها تحت مسؤوليتها حتى اذا واجهت الهيئة التشريعية بعملها واستبان لهذه الهيئة ان هذه السلطة انما اتخذت ما اتخذته صيانة لمصلحة عامة أو درءا لخطر عام قررت عدم مسؤوليتها رغم مخالفتها نصوص القانون، وبذلك فقد قبلت الدول الديمقراطية قاطبة بتولي السلطة التنفيذية التشريع في أحوال الظروف العارضة والمصالح الملحة والاخطار المهددة، وعلة هذه الرخصة انما ترجع إلى الطوارئ وهي بطبيعتها عارضة لا سلطان لأحد في تحديد وقت وقوعها، او تقتضيها الأحداث خلال غيبة المجلس النيابي بحث يهيأ للأمة في غيبة هذا المجلس أداة تتولى التشريع في الاحوال المستعجلة أو الضرورية التي لا تتحمل الأناة والانتظار.

ولما كان ذلك، وكان النص في المادة 6 من الدستور الكويتي على أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور»، كما نصت المادة 50 منه على أنه «يكون نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور». ونصت المادة 51 على أن «السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور» ونصت المادة 52 على أن «السلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور»، كما نصت المادة 79 على أنه «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير».

رخصة طليقة

وإذ كان ذلك وكان الاصل هو اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين، وأن اعطاء السلطة التنفيذية سلطة التشريع في غيبة المجلس النيابي هو استثناء من حكم المادتين 50 و79 سالفتي الذكر، لذا فقد حرص الدستور الا يجعل هذه الرخصة الاستثنائية طليقة من غير قيد، وإنما وضع لاستعمالها قيودا عديدة، وحدودا لا يجوز تجاوزها، فنص في المادة 71 منه على أنه «إذا حدث فيما بين ادوار انعقاد مجلس الأمة او في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور او للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.

ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل او انتهاء الفصل التشريعي فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى اصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر».

والمستفاد من ذلك أنه يجب توافر عدة شروط في كل مرسوم تصدره السلطة التنفيذية طبقا لهذه المادة:

الشرط الأول: أن يصدر في الفترة الواقعة بين ادوار انعقاد مجلس الأمة او في خلال فترة حله. والشرط الثاني: أن يكون من التدابير التي توجب الإسراع في اتخاذها ولا تحتمل التأخير. والشرط الثالث: ألا يكون مخالفا للدستور او للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.

أما عن الشرط الأول فهو خاص بالشكل الدستوري، أما الشرطان الأخيران فهما خاصان بموضوعه من الوجهة الدستورية، والبين من هذه المادة أنه قد استهل نصها بعبارة «إذا حدث... ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير» ولم يستخدم النص عبارة «في أحوال الضرورة...» على نحو ما نص عليه الدستور في المادة 96 منه في حالة اعلان الحكم العرفي، وإنما استعملت العبارة الواردة بنص المادة 71 بما ينصرف معناها إلى شمول الأحداث والظروف العارضة، وما تقتضيه المصالح الملحة والأخطار المهددة، بما فيها الأحداث المتفاقمة والمستمرة التي تأخذ حكمها، دون قصر فهم المعنى على لزوم أن يجد حادث جديد، كما أن المقصود بعبارة «الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير» هو الإسراع في اتخاذ اجراءات تشريعية لا تحتمل بطئا أو تسويفا، أما عن أمور السرعة فلا شبهة في أن كل الأمور التي تعرض بمراسيم انما يقدر فيها وجه السرعة بقدرها، وتوزن بميزانها، ويحكم في كل أمر منها بمعيار وقته وظروف ومحيطه، وما يتطلبه هذا الإجراء من اغراض.

أما عن هذه الرخصة الاستثنائية فمنبتها إلحاح المصالح والظروف دون غيرها، وأنه من غير المقبول ألا تُمكّن السلطة التنفيذية من استعمال هذه الرخصة ـ في غضون الفترة الواقعة بين أدوار انعقاد المجلس او خلال فترة الحل ـ وتكون مسلوبة من حق سد الذرائع ومداركة الضرورات. كما أن هذا المرسوم بمجرد صدوره يكون له قوة القانون ولكنها مؤقتة، ولأجل أن تصبح دائمة يتحتم عرض المرسوم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما او في اول اجتماع له في حالة الحل، فإذا لم يعرض عليه سقط، ويؤكد ذلك ما جاء بهذا النص من وجوب عرضه في اول اجتماع للمجلس، وإذا عرض ولم يقره فإنه يسقط أيضا، أما في حالة اقراره فتستمر له قوة القانون، وتظل له قوة نفاذه، فيضحي في حكم القانون القائم ولا خشية من خطر في اصدار السلطة التنفيذية لمثل هذه المراسيم، لان سيطرة مجلس الامة عليها مضمونة في جميع الاحوال والسوابق البرلمانية شاهدة على ذلك، كما ان الرقابة القضائية لهذه المحكمة قائمة ومؤكدة على هذه المراسيم للتثبت من مدى الالتزام في اصدارها بنصوص الدستور.

تعدد الأصوات

ومؤدى ذلك جمعيه انه من حق السلطة التنفيذية ان تصدر مراسيم لها قوة القانون شريطة ان تكون في الحدود المبينة بهذه المادة على النحو السالف ذكره.

وحيث انه فيما يتعلق بما اثاره الطاعن من طعنه بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 فقد اسسه في هذا الخصوص على سند من انه لا تنطبق على اصداره الشروط التي تطلبتها المادة (71) من الدستور، كما انه من وجهة اخرى اجرى هذا المرسوم تعديلا على نص المادة (الثانية) من القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، متضمنا العدول عن طريقة تعدد الاصوات للناخب الى الأخذ بقاعدة الصوت الواحد، ومنطويا هذا التعديل على إخلال بقواعد العدالة وبمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وبحق التعبير وحرية الرأي التي كفلها الدستور في المواد (7) و(8) و(29) و(36) منه، كما انه يجافي ما افترضه الدستور من ان عضو مجلس الامة لا يمثل الدائرة التي انتخبته، وانما يمثل الامة جمعاء بالمخالفة للمادة (108) التي تنص على ان عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة.

وحيث ان البين من المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 الصادر بتاريخ 21/10/2012 انه تضمن النص في المادة (الاولى) منه على ان يستبدل بنص المادة الثانية من القانون رقم (42) لسنة 2006 المشار اليه النص التالي، تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس على ان يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد، كما انطوى نص المادة (الثانية) من ذات المرسوم على العمل به اعتبارا من انتخابات الفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الامة.

وقد تناولت المذكرة الايضاحية مقتضيات هذا التعديل متضمنة الاشارة الى انه قد صدر القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، ونص في مادته (الثانية) على ان تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس على ان يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لاربعة من المرشحين في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد الا انه قد اسفر تطبيق هذا النص، ومن خلال الممارسة الفعلية للانتخابات البرلمانية للفصول التشريعية التي اجريت فيها الانتخابات وفقا له، عن وجود اوجه قصور في تلك المادة وظهور سلبيات ونتائج كان من شأنها تهديد وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، الامر الذي استوجب معه اعادة النظر في هذه المادة لمعالجة هذا القصور وهذه السلبيات والحد من آثارها والارتقاء بالممارسة البرلمانية لبلوغ الغايات الوطنية المنشودة، وأهمها تحقيق المشاركة الفعالة لجميع ابناء الوطن في ادارة شؤون البلاد، والقضاء على نزعات التعصب الفئوي ومظاهر الاستقطاب الطائفي والقبلي التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية، وتؤدي الى فرقة المجتمع وتقنتيته وتخل بتمثيل البرلمان للامة تمثيلا صحيحا، وانه تحقيقا للمصلحة الوطنية فقد اجري تعديل على نص هذه المادة بحيث يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته في الدائرة المقيد بها لمرشح واحد فقط، وان يعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد، وذلك بما يضمن التمثيل المتوازن لكل شرائح المجتمع الكويتي وفئاته، ويحد من احتمالات الاحتكار الفئوي والقبلي في الدوائر الانتخابية، وانه تحقيقا لذلك فقد اعد المرسوم بقانون المرافق ليصدر على وجه الاستعجال طبقا لحكم المادة (71) من الدستور، وذلك حتى يمكن العمل به خلال الانتخابات العامة المقرر اجراؤها للفصل التشريعي الرابع عشر.

ولما كان ذلك وكان الحاصل انه بتاريخ 16/8/2012 وكان مجلس الامة قائما طعنت الحكومة امام هذه المحكمة بعدم دستورية المادتين (الاولى) و(الثانية) من القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، ث

back to top